الوقف عند خرابه أو من الحنفية القائلين بقول أبى يوسف فى الاستبدال إنما يقول ذلك إذا كان يحصل به غرض الواقف بقدر الإمكان ، أما هنا فقصد الواقف إبقاءها لمنفعة خاصة وهى التزيين فبيعها للعمارة مفوت لهذا الغرض ، وإن كانت ملكا للحجرة كالملك للمسجد فكذلك لما قدمناه أن قصد الآتى بها ادخارها لهذه الجهة وإن جهل حالها فيحمل على إحدى هاتين الجهتين فتمنع البيع أيضا ، وإن عرف لها مالك معين فأمرها له وليس لنا أن نتصرف فيها ، وإن علم أنها ملك لمن لا ترجى معرفته فتكون لبيت المال ، ومعاذ الله ليس ذلك واقعا وإنما ذكرناه لضرورة التقسيم حتى يعلم أنه لا تسلط على بيعها للعمارة بوجه من الوجوه ، ولو فرضنا أن هذه مما يجب الزكاة فيها ففى هذه المدد قد ملك الفقراء فى كل سنة ربع العشر فتكون قد استغرقت بالزكاة فيجب صرفها إليهم ولا تباع ، فعلى كل تقدير لا مساخ للبيع وهذا وجه إنكارى إياها.
وأما الاستقباح فلما يبلغ الملوك فى أقطار الأرض أنابعنا قناديل نبينا صلىاللهعليهوسلم لعمارة حرمه ونحن نقدر بأنفسنا فضلا عن أموالنا ، وما برحت الملوك يعمرون هذا الحرم الشريف ويفتخرون بذلك فهذه القناديل التى بالحجرة الشريفة المعظمة لا حق فيها لأحد من الفقراء كما لا حق لهم فى مال الكعبة ، وكذا لا حق فيها لما يحتاج إليه من عمارة مسجد النبى صلىاللهعليهوسلم وحرمه الخارج عن الحجرة لما ذكرنا من المغايرة بين الحجرة والمسجد ، فلا يكون الذى لأحدهما مستحقا للآخر ولا له حق فيه ، وأما الحجرة نفسها لو فرض احتياجها لعمارة أو نحوها هل يجوز أن يصرف من القناديل فيها؟ الذى يظهر المنع ، فليست القناديل كالمال المصكوك المعد للصرف الذى فى الكعبة ؛ لأن ذلك إنما أعد للصرف وأما القناديل فما أعدت للصرف ، وإنما أعدت للبقاء ليس قصد صاحبها الذى أتى بها إلا ذلك ، سواء أوقفها أم اقتصر على إهدائها فتبقى مستحقة لتلك المنفعة الخاصة وهى كونها معلقة يتزرمن بها والعمارة التى يحتاج إليها الحجرة الشريفة أو الحرم إن كان هناك أوقاف يعمر منها وإلا فيقوم بها المسلمون من أموالهم طيبة قلوبهم فا (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(١) والذى قالته الحنابلة إنها إذا بطل وقفها تصرف إلى مصالحه ليس صحيح قطعا ، والذى قاله أصحابنا من
__________________
(١) الأحزاب (٦).