الغنية من كتب المذهب هذا وإذا تأملت قولهم بصحة النذر للكعبة نفسها وإنه يصرف لما حدث فيها من العمارة ونحوها ولبابها تجد ذلك مصرحا بأن عمارتها وترميمها مما ذكر قربة يصح نذرها والوقف عليها ونحو ذلك ويصرف ذلك فيها ، ولم يذكر أئمتنا أن مصرف عمارتها من بيت المال ابتداء ، بل عولوا على مالها المختص بها مما يهدى إليها أو ينذر لها وما يوجد فيها من الأموال التى لم ينص على تعينها لغير العمارة بأن لم يعلم قصد من أتى بها كما تقدم عن السبكى ، قال ابن بطال فى كتاب الاعتصام : أراد عمر رضى الله عنه أن يقسم المال الذى فضل عن نفقة الكعبة ومؤنتها ويضعه فى مصالح المسلمين فلما ذكّره شيبة أن النبى صلىاللهعليهوسلم وأبا بكر رضى الله عنه بعده لم يتعرضا له ، لم يسعه مخالفتهما ورأى أن الاقتداء بهما واجب ، فربما تهدم الكعبة وتخلق بعض الآلة فيصرف ذلك المال فيه ، ولو صرف ذلك فى منافع المسلمين لكان كأنه قد أخرج عن وجهه الذى سبل فيه. قال السبكى : فإن قلت : قد ذكر الفقهاء وجهين فى صحة الهبة للمسجد وإنه هل يملك أو لا يملك؟ قلنا : أصحهما الجواز وإنه تصح الهبة له ويقبلها قيمه ويملك ويؤخذ له بالشفعة ، والوجه الآخر ضعيف ويرد عليه بالحديث أو لا يرد عليه بل يكون الوجه خاصا بالهبة المفتقرة إلى إيجاب وقبول ، وأما الإهداء إلى الكعبة فأصله معهود قال الله تعالي : «هديا بالغ الكعبة» وإن كان ذلك فى الفداء لكنه عرف به مشروعية هذا النوع وإضافته إلى الكعبة ، وقد اختلف الفقهاء فى الوقف على المسجد؟ هل هو وقف على المسلمين أو على مصالح المسجد؟ والأصح الثاني ، والقائل الأول إنه لم يرد أنه وقف على المسلمين يصرفونه فيما شاءوا بل يختص بالمسجد قطعا ، وإنما حمله على جعله على المسلمين أنهم القابلون للتملك ، والجماد لا يقبل التملك وجوابه أن الجماد إذا كان له جهة يصرف فيها ويحتاج إليه فذلك معنى التملك ، فظهر لنا القطع بثبوت اختصاص الكعبة بما يهدى إليها وما ينذر لها وما يوجد فيها من الأموال ، وامتناع صرفها فى غيرها لا للفقراء ولا للحرم الخارج عنها المحيط بها ولا لشيء من المصالح إلى آخر ما تقدم ، ثم قال السبكى : ومحل الذى قلته من الصرف إلى وجوه الكعبة إذا كان المال علم من حاله ذلك أو كانت عليه قرينة بذلك مثل كونه دراهم أو دنانير ، أما القناديل التى فيها