لم يبنها بمدر ولا قصه وإنما رضمها رضما ، ومن ثم أخذ منه بطلان ما على ألسنة العامة أن الحفرة الموجودة الآن بين الحجر ـ بكسر أوله ـ وباب البيت كان معجنة للطين الذى بنى به إبراهيم صلىاللهعليهوسلم وقد يجمع بأنه يحتمل أنه جعل الطين فى أسفل جدارها زيادة فى الهامة ثم رضم الباقى انتهى.
وأما بناء قريش فالمنقول أنه كان مدماكا من ساج ومدماكا من الحجر على ما يأتى بيانه.
وأما حكم أحجاره وخشبه فقد نص صاحب الفنون (١) الحنبلى فى فنونه على أنه لا بأس بتغيير حجارة الكعبة إن عرض لها مرمّة ؛ لأن كل عصر احتاجت فيه لذلك قد فعل بها ذلك ولم يظهر نكير على فعله ، نعم الحجر الأسود ولا يجوز نقله عن مكانه ولا تغييره ؛ لأنه لم يوضع موضعه إلا بنص من النبى صلىاللهعليهوسلم ، فهو كبعض آيات القرآن لا يجوز نقلها من موضعها إلى موضع آخر ويكره نقل حجارتها عند عمارتها إلى غيرها ، وما صلح من حجارتها وأخشابها يعاد إليها ، فقد نقل عن ابن الزبير رضى الله عنهما أنه عزل من حجارة البيت الشريف ما يصلح أن يعاد فيه وإنه لما أتم عمارة الكعبة بقيت من الحجارة بقية ففرشها حول البيت الشريف ، قال العلامة التقى (٢) الفاسى فى تاريخه : وأول من فرش الحجارة حول البيت عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما ؛ لأنه لما فرغ من عمارة الكعبة بقيت من الحجارة بقية ففرش بها حول البيت كما يدور البيت نحوا من عشرة أذرع ، ذكر ذلك الفاكهى عن بعض المكيين ، وأن الحجاج كبس أرض الكعبة بالحجارة التى فضلت ، ونقل أن قريشا لما بنت البيت الشريف تقدم عايذ بن عمران بن مخزوم فتناول حجرا من الكعبة فوثب من يده حتى رجع إلى مكانه ، ولا يتعين فى الحجارة المحتاج إليها أن تكون من تلك الجبال التى بنى منها الخليل صلىاللهعليهوسلم ، فقد نقل أن قريشا بنوها من حجارة الوادى ، وأن ابن الزبير رضى الله عنهما سأل رجالا من أهل العلم بمكة من أين أخذت قريش حجارتها؟ فأخبروه بمقلعها فنقل منها ما يحتاجه ، وحيث
__________________
(١) كتاب الفنون هو كتاب نظم لابن عقيل الحنبلى وهو مفقود.
(٢) شفاء الغرام ١ / ٦٤