من هو كذلك ، وما المانع من أن يكون أنكره من اطلع وعلمه كما أنكره اليوم فحصل له صاد كما حصل اليوم ، ولا يتمكن كل أحد من تغييره بيده وإنما ذلك منوط بولاة الأمر فيه وكم من بدعة تطاول زمانها ، ولا يقال إن علماء عصر أقروها رضى بها بل يحرم على كل أحد نسبتهم إلى ذلك ، ألا ترى أن فى الكعبة منكرين فاحشين قد تطاول الزمان عليهما ، المنكر المسمى بالعروة الوثقى ، والمنكر المسمى بسرة الدنيا أنكرهما كثير من العلماء ولم يلتفت إليهم انتهى كلامه.
قال ابن حجر بعد نقلها : فإن قلت : يؤخذ من كلامه هذا منازكة السبكى (١) وغيره فيما قالوه من الاستدلال بتقرير العلماء على فعل تلك الإصلاحات والرخام والتحلية ؛ لأن الاحتمالات التى ذكرها السكوت العلماء على بقاء الشاذروان على دون ذراع تأتى فى ذلك ، قلت : ممنوع ؛ لأن الإنكار يستدعى تقدم العلم بما قاله الأزرقى إنه كان ذراعا ، وهذا لا يتأتى فيما نحن فيه سلمنا أنهم علموا يحتمل أنهم يرون صحة الطواف على الشاذروان سلمنا أنهم يعتقدون ذلك هم قد أنكروا فى كتبهم وهذا كله لم يوجد منه شئ هنا فدل سكوتهم على تلك الإصلاحات وعدم تعرضهم لإنكارها بلسان ولا قلم على جوازها ، وقوله : «وكم بدعة» إلى آخره ، لا يأتى فيما نحن فيه أيضا ؛ لأن العلماء لم يبقوا شيئا من البدع المنكرة إلا وقد ذكروا حكمه وبينوه تلويحا أو تصريحا ، فسكوتهم عن الإنكار عليه إنما هو لعجزهم ، وهنا لو كان سكوتهم لعجزهم لبينوا ذلك فى كتبهم ، فتأمل ذلك حق التأمل لتكون على جادة الصواب وتظفر بتحقيقه فإنه مما يستفاد ويستطاب ، وفقنا الله لتحريه على الدوام وجعلنا ممن قام بشعار هذا البيت الحرام آمين انتهى ، كلام ابن حجر. وأما الجواب عن بناء الخليل هل كان بمونة أو لا؟
فالمنقول أنه لم يكن بمونة وإنما كان يرص الحجارة رصا حتى صار الطول تسعة أذرع ليتمكن من الطواف ، لكن وقع فى بعض الروايات أن إسماعيل صلىاللهعليهوسلم كان يناوله الحجارة والطين ، قال ابن حجر : وهذا ينافيه ما مر من أن إبراهيم
__________________
(١) انظر المناهل العذبة لوحة ١٠.