كان كذلك فإن احتيج الآن إلى حجر جديد فليسأل ممن له خبرة بالأماكن التى أخذ منها ابن الزبير رضى الله عنهما ويؤخذ منها اقتداء به رضى الله عنه ، وهذا أمر استحسانى وإلا فلا مانع من الكفاية بأى حجر يكون وكذا الخشب لا يتعين فيه شئ بل المدار على ما يحصل به الكمال وتظهر به مزيد الإجلال ، وأما كيفية البناء هل تكون من داخل الستور أو خارجها وما يليق بحال العملة؟ فالذى ينبغى فيه أن يقتدى بما فعله عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما ، فإنه أدار سترا على فناء البيت الشريف فكان البناة يبنون من وراء ذلك الستر والناس يطوفون من خارج ، قال الزركشى فى كتابه إعلام الساجد بأحكام المساجد : لو انهدمت الكعبة والعياذ بالله فصلى فى عرصتها ولا شاخص لم تصح صلاته كالصلاة على سطحها ؛ لأنه صلى فى البيت لا إليه ، ولهذا لما هدم ابن الزبير رضى الله عنهما الكعبة ووضع أعمدة فستر عليها الستور لاستقبال المستقبلين وطواف الطائفين ، وقال ابن عباس رضى الله عنهما : إن كنت هادمها فلا تدع الناس لا قبلة لهم. وهذا يدل على أن بقعة البيت ما كانت تنزل عندهما منزلة البيت لكن خالفهما فى ذلك جابر رضى الله عنه وقال : صلوا إلى موضعها وخالف ابن شريح فى الصلاة فى العرض فجوز ذلك ، قال الرافعى : وخصه بعضهم عنه بصورة العرصة ، قال الإمام : لا شك أنه يجزيه فى العرصة وبه صرح البغوى نقلا عنه فلا فرق انتهى.
وأما الصلاة إلى أرض الكعبة فيجوز ، ويجزيه ذلك بلا خلاف عندنا سواء بقى منها شاخص أم لا ، ومذهب مالك أن المقصود بالاستقبال البناء لا البقعة كذا نقله فى شرح مسلم فى الحج ، وما ادعاه من نفى الخلاف باطل ففى الاستدلال للدارمى ما لفظه : وأما الصلاة إليه إذا انهدم والعياذ بالله فمن أصحابنا من قال : لا يجوز ، والصحيح أنه يجوز انتهى. وقد تقدم عن صاحب المفهم الحنبلى أنه قال فى مفهمه : إنه يكره التكلم فيها وفى أبنيتها إلا بقدر الحاجة ، وأما المخاطب بذلك أولا فهو الإمام الأعظم والسلطان الأكرم ، مالك رقاب العالم ، خليفة الله على أبناء آدم ، خادم الحرمين الشريفين ، ومسلك سبل القبلتين ، خلد الله دولته ، وقوى صولته ، ويدل لذلك قول عالم الحجاز المجمع على متانة علمه ، وغزارة فكره المحب الطبرى فإنه قال : على متولى البيت الحرام والناظر فى هذه المشاعر العظام ، رعاية مصلحتها والاهتمام بعمارتها انتهى.