عائشة الآتى ، ومدلول هذا الحديث تصريحا وتلويحا يبيح التغيير فى البيت الشريف بالعمارة إذا كان لمصلحة ضرورية أو حاجية أو مستحسنة ، وكما وقع فى زمن السلطان برسبالى حين خيف من سارية من سواريها ظهر بها ميل فكشفوا من فوقها فوجدت صحيحة وردت حتى استقامت ، وفى ذلك دلالة على بقاء الخير الكثير فى هذه الأمة كما أخبر به الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم فيما تقدم فى الحديث السابق ؛ وذلك لأن تركها متشعثة منهدمة يزيل هيبتها من قلوب كثيرين إذ ليس نظرهم إلا للصور ، وعظمتها على ما أشار إليه ابن الزبير رضى الله عنهما بقوله : لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض إلا بأكمل الإصلاح. وإذا عمرت فلا يجوز أن تعلى زيادة على ما وجد من علوها ، وأما زيادة قريش على بناء الخليل فى الطول إلى جهة العلو وكذا زيادة ابن الزبير رضى الله عنهما فى طولها إلى جهة العلو على بناء قريش وتسقيف البيت ، وجعل مغلق له بعد الخليل مع كونه ليس له ذلك فى زمنه وبيان من فعل به ذلك أولا.
فجوابه يؤخذ مما رواه الفاكهى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن الخليل وإسماعيل صلىاللهعليهوسلم ما بنيا البيت بقصه ـ بالفتح ـ الجير ولا مدر ، ولا كان لهما من السعة والأعوان ما يسقف به انتهى فلذلك لم يسقف فى زمن الخليل صلىاللهعليهوسلم ، وسبب تسقيفه فى زمن قريش أنه لما لم يكن له سقف وكان الناس يلقون فيه الحلى والمتاع ، حتى إذا كاد أن يمتلئ ، فأنفذ له خمسة نفر من جرهم يسرقون ما فيه ، فقام كل واحد على زاوية واقتحم الخامس (١) ، فسقط على رأسه فهلك ، فبعث الله عنه ذلك حية بيضاء سوداء الرأس والذنب ، قال ابن جماعة : ويروى أن هذه الحية هى الدابة التى تخرج عند قيام الساعة تكلم الناس ، فحرست البيت خمسمائة عام لا يضر به أحد إلا أهلكته ، فلم يزل كذلك حتى أرسل الله تعالى العقاب فاختطفها ، ثم بنته قريش فلذلك سقفته حتى لا يتوصل أحد إلى سرقة ما فيه ، كما سيأتى ذلك مفصلا عند الكلام على بناء قريش ، فلما كان لقريش سعة وأعوان وقدرة على تسقيفه سقفته من خشب
__________________
(١) انظر أخبار مكة للأزرقى ١ / ٨٧