أن تصلح ما وهى منها ولا تهدمها فقال : لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل إصلاح ولا يكمل إصلاحها إلا بهدمها فهدمها حتى وصل إلى قواعد إبراهيم ، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين ، وفى رواية أنه جمع وجوه الناس وأشرافهم فاستشارهم فى هدمها ، فأشار القليل من الناس بالهدم وأبى الكثير ، وكان أشدهم أبا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما وقال : دعها على ما أقرها عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنى أخشى أن يأتى بعدك من يهدمها فلا تزال تهدم ويبنى فيتهاون الناس بحرمتها ولكن رقعها ، فقال ابن الزبير (١) رضى الله عنهما : والله ما يرضى أحدكم أن يرقع بيت أبيه وأمه فكيف أرقع بيت الله؟ واستقر رأية على هدمها ، فهؤلاء الصحابة والتابعون اتفقوا على إصلاح ما ضعف واختل وتشعث منها بحسب الضرورة أو الحاجة الماسة ، وقوله : «ما وهى» كما فى القاموس بمعنى تخرق وانشق واسترخى رباطه ، وابن الزبير رضى الله عنهما ومن وافقه موافقوهم على ذلك ، وإن الذى وقع بينهم الخلاف فيه القدر الزائد على الحاجة ، فالأكثرون نظروا إلى جانب الاحترام المطلق للكعبة فلم يوافقوا على الزائد على الحاجة ، وهو رضى الله عنه ومن وافقه نظروا إلى ما يليق بإجلال بيت الله وتعظيمه وإيقاع مزيد هيبته فى القلوب فلم يقنعوا بالاقتصار على قدر الحاجة ، وأبرز ذلك بالقياس المعنوى بقوله : لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل الصلاح ولا يكمل إصلاحها إلا بهدمها ، فلم يتعرضوا لهذا الدليل الذى أبرزه لهم إما لوضوحه لهم وإما لأن المجتهد لا ينكر على مجتهد فلذلك مكنوه مما أراد ولم يتعرضوه. فتأمل ذلك أدنى تأمل فقد اتفقوا على إصلاح ما تخرق وانشق واسترخى لا اختلاف بينهم فى ذلك وهم الحجة على من بعدهم فى ذلك وغيره ، وإنما الاختلاف بينهم فى إصلاح زائد على الحاجة ولائق بكمال البيت وعظيم إجلاله وحرمته ، فابن الزبير وموافقوه يرون ذلك ، والأكثرون لا يرون ، فتأمل. ويجوز التوصل إلى بيان حقيقة ما ظن اختلاله من نحو سقفها بكشف ما يعلم به أمره على ما أشار إليه عالم الحجاز المحب الطبرى الذى قيل فى حقه : إنه لم يخرج من مكة بعد الإمام الشافعى أفضل منه ، ولم يوجد له بحث رد أى غالبا بقوله فى حديث
__________________
(١) انظر أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٠٤