معاوية لما نصب المنجنيق على أبى قبيس ، ورمى الكعبة ، وكسر الحجر الأسود ، واحترقت الكعبة ، وسقط سقفها إلى غير ذلك ، حتى روى أن أول حجر من حجارة المنجنيق أصاب وجه الكعبة فسمع لها أنين وتأوه شديد ، وكذا وقع من القرامطة ما وقع ، وأخبر الصادق بأن ذا السويقتين يهدمها حجرا حجرا؟ فالجواب : أن حبس الفيل وقع إرهاصا لأمر نبوة نبينا صلىاللهعليهوسلم ، والإرهاص إنما يحتاج إليه قبل قدومه ، فلما ظهر صلىاللهعليهوسلم وتأكدت نبوته بالدلائل القطعية لم يحتج إلى شئ من ذلك بعد ، وأيضا أبرهة قصد بالتخريب إذهاب عودها فلذلك عوجل بالعقوبة ، والحجاج إنما قصد بالتخريب إذهاب صورة بناء ابن الزبير وإعادتها على حالها الأول ؛ فلذلك لم يبادر بالعقوبة ، وحيث تمت الدعوة والكلمة قد بلغت والحجة قد ثبتت فأخر الله تعالى أمرهم إلى الدار الآخرة وقد أخبر صلىاللهعليهوسلم بوقوع الفتن وأن الكعبة ستهدم ، وقد تقدم أن هدم ذى السويقتين لها لا يعارض قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) ؛ لأن تخريب الكعبة على يدى هذا الحبشى إنما يكون عند خراب الدنيا ، ولعل هذا الوقت هو الذى لا تبقى فيه إلا أشرار الناس فيكون حرما آمنا مع بقاء الدين وأهله ، وقول ابن حجر الهيثمى والجواب : إن الحجاج ما قصد التسلط على البيت بل الاحتيال لإخراج ابن الزبير فيه نظر ، على أنه منتقض بفعل القرمطى الملحد فإنه لم يقصد إلا التسلط على البيت وأهله ، أجيب أيضا بأن ما وقع فيه فى الإسلام من القتال ونهب الأموال إنما كان بأيدى المسلمين فهو مطابق لقوله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يستحل هذا البيت إلا أهله فوقع ما أخبر به صلىاللهعليهوسلم وهو من علامات نبوته ، وإثبات الأهلية والإسلام لأولئك الفجرة الذين جسروا على حرمة البيت إنما هو باعتبار الغالب فلا ينافى كفر الحجاج عند جماعة من العلماء ، وهو الصواب إن صح ما نقل عنه أنه رأى جماعة محدقين بالحجرة الشريفة النبوية على مشرّفها أفضل الصلاة والسلام فقال : ما بال هؤلاء؟ وهل يطوفون إلا بعظام بالية؟ وحكى عنه قبائح أخرى نحو ذلك ، ولا ينافى أيضا الحكم عن القرامطة بالكفر والإلحاد لأنهم من الإسماعيلية الذين هم أقبح كفرا وأسخف عقلا من كثير من الملل الفاسقة لاستحلالهم مع إلحادهم نكاح المحارم ومثابرتهم عليه.
واعلم أن الصحيح الذى صرحت به الأحاديث الصحيحة أن صيرورة مكة