فأفضل البقاع مكة وقد عذب الله أهلها عذابا شديدا عظيما فقال : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ. وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ.)(١) وروى أن النبى صلىاللهعليهوسلم كان قد آخا بين سلمان الفارسى وأبى الدرداء ، وكان أبو الدرداء بدمشق وسلمان بالعراق فكتب أبو الدرداء ، إلى سلمان هلم إلى الأرض المقدسة ، فكتب إليه سلمان إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس الرجل عمله ، والمقام بالثغور للجهاد أفضل من سكنى الحرمين باتفاق العلماء.
هذا وفى سقوط هذا الجانب الشريف من البيت فى هذا الزمن الوفاء بتصديق خبر الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم فيما أخبر به من تعدد خراب هذا البيت الشريف بعده ليبادر أمته بمزيد الاستمتاع به والإقبال عليه بمزيد التعظيم والتكريم لقوله صلىاللهعليهوسلم : «استمتعوا من هذا البيت فإنه يهدم مرتين ويرفع فى الثالثة» وفى الاستمتاع به القيام بواجب حقه والتباعد عما يضع من عظيم قدره من اقتراف الذنوب والآثام خصوصا بمجاورة تلك المشاعر العظام ، فقد تهاون الناس بالقيام بحقه العظيم وما يجب له من التكريم من حصل التعال على بنائه فى هذا الزمن المؤذن بعدم احترامه ، وقد كانت أهل الجاهلية محترمين له احتراما عظيما بحيث لم يبنوا بيتا عنده فى القديم إلى زمن قصى ، وكانوا لا يرون بالجنابة بمكة حتى نقل أن سيدنا آدم كان لا يأتى حواء إلا فى الحل لأجل الولد ، وكان بعض الأولياء المجاورين فى الحرم لا يأتون حاجة الإنسان إلا فى الحل ، وكان عمر رضى الله عنه يأمر بهدم كل بناء أشرف عليها ، وقال : ليس لكم أن تبنوا حولها ما يشرف عليها ، وكذا كان شيبة لا يرى بيتا مرتفعا على الكعبة إلا أمر بهدمه ، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص حين رأى بيتا على أبى قبيس يشرف على الكعبة : إذا رأيت بيوت مكة قد علت أخشابها كذا وفجرت بطونها أنهارا فقد أزف الأمر أى قرب إلى غير ذلك ، وقد روى في وهيب بن الورد المكى ـ رحمة الله عليه ـ أنه قال : كنت ليلة أصلى فى الحجر فسمعت كلاما بين الكعبة والأستار خفيا
__________________
(١) سورة النحل : ١١٢ ، ١١٣.