فاستمعت فإذا هى تناجى وتقول : إلى الله أشكو ثم إليك يا جبريل ممن حولى من سمرهم وتفكههم باللغو وذكر أحوال الدنيا والاغتياب والخوض فيما لا ينبغى لهم واللهو والغيبة ، لئن لم ينتهوا عن ذلك لأنتفضن انتفاضة يرجع كل حجر منى إلى الجبل الذى قطع منه انتهى.
وذلك لتعامى الخلق عن الحق وتماديهم فى الباطل ، وتركهم الصلاة التى من تركها فقد كفر وصار بمنزلة القاتل ، ومنعهم الزكاة المفروضة عن الفقير والسائل ، وأخذهم الربا وقد أمر الله بتركه أذن لحربه كل متثاقل ، وتطفيفهم الكيل والوزن يغل من هلكوا يوم الظلة بالعذاب الشامل ، وإصرارهم على الكبر والفجور وشرب الخمور وشهادة الزور فعل من شرد على الله وباع آخرته بالعيش الزائل ، ولم يذكر الموت ولا اقتراب الساعة بالدلائل وقد أخرج الترمذى عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا اتخذ الفئ دولا ، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وتعلم لغير الدين ، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه ، وأدنى صديقه وأقصى أباه ، وظهرت الأصوات فى المساجد ، وساد القبيلة فاسقهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وظهرت القينات والمعازف ، وشربت الخمور ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا ، وآيات تتتابع كنظام لآلى قطع مهلكة فتتابع» ، وقال ابن جرير فى تفسيره : حدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة فى قوله تعالى : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً)(١) قال إن الله يخوف الناس بما شاء من آية لعلهم يعتبون أو يذكرون أو يرجعون ، ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود فقال : يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه ، ووقع زلزلة بالرى فبكر أبو عمران الصوفى فتلا هذه الآية : «ونخوفهم فيما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا».
قال السيوطى (٢) : ولا ينافى ما دل عليه هذه الآثار من أن الزلزال والخسف من الآيات التى يخوف الله بها عباده ما روى عن ابن مسعود أنه أخبر بزلزلة تارة وبخسف أخرى فقال : إنا كنا أصحاب محمد نرى الآيات بركات وأنتم ترونها
__________________
(١) سورة الإسراء آية ٥٩.
(٢) انظر كتاب كشف الصلصلة ص ٤٥.