اللاتى فى المساطب ، وخرب بيوتا كثيرة وغرق بعض أهلها وبعضهم مات تحت الردم ، وكان أمرا مهولا قدره قادر يقول للشىء كن فيكون ، ولو دام ذلك النوء إلى الصباح لكان غرقت مكة والعياذ بالله تعالى انتهى.
ولم يجئ بمكة فيما علمت سيل على صفته إلا سيل كان فى سنة اثنين وثمانمائة وذلك أن فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى من السنة المذكورة ، وقع بمكة مطر كأفواه القرب وما شعر الناس إلا بسيل وادى إبراهيم قد هجم مكة ، فلما حاذى جياد خالطه مسيله فصار ذلك ... ودخل المسجد الحرام من غالب أبوابه وعمه كله ، وكان عمقه فى المسجد خمسة أذرع على ما قيل ، ودخل الكعبة وعلا فوق عتبتها ذراعا أو أكثر فيما قيل ، وألقى درجة الكعبة عند باب إبراهيم ، وأخرب عمودين فى المسجد فسقطا بما عليهما من البناء والسقف ، وأخرب دورا كثيرة بمكة ، ومات فى الهدم جماعة يقال أنهم نحو ستين نفرا فلا حول ولا قوة إلا بالله ، ومن العجيب أن هذين السيلين اتفقا فى التاريخ باعتبار الشهر والليلة لأن كليهما في ليل الخميس عاشر جمادى الأولى فسبحان الفعال لما يريد.
ومن سيول مكة المهولة بعد هذا السيل سيل يدانيه لدخوله المسجد الحرام وارتفاعه فيه فوق الحجر الأسود حتى بلغ عتبة باب الكعبة الشريفة ، وألقى درجها عند منارة باب الخرورة ، وكان هجم هذا السيل على المسجد الحرام عقيب صلاة الصبح من يوم السبت سابع عشر ذى الحجة سنة خمس وعشرين وثمانمائة ، وكان المطر وقع بقوة عظيمة فى آخر هذه الليلة ، فلما كان وقت صلاة الصبح صلى الإمام الشافعى بالناس أمام زيادة دار الندوة بالجانب الشامى من المسجد الحرام لتعذر الصلية عليه بمقام إبراهيم وما يليه هناك ، فلما انقضت صلاته للصبح حمل الفراش الشمع ليوصله للقبة المعدة لذلك بين سقاية العباس وقبة زمزم ، فإذا الماء فى صحن المسجد يعلوه قليلا قليلا ولم يتمكن من إيصال الشمع للقبة إلا بعسر ، وكان بعض أهل السقاية بها فدخل عليه الماء من بابها ، ثم زاد فرقى على دكة هناك ، ثم زاد فرقى على صندوق وضعه فوق الدكة ، فبلغه الماء فخاف وخرج من السقاية فارا إلى صوب الصفا وما نجا إلا بجهد ، وكان السيل قد دخل المسجد من الأبواب التى بجهة الصفا والأبواب التى