له زيافيل (١) ، وكان يأتي ذا القرنين يزوره ، فبينما هما ذات يوم يتحدثان إذ قال له ذو القرنين : حدّثني كيف عبادتكم في السماء؟ فبكا ثم قال : يا ذا القرنين وما عبادتكم عند عبادتنا إن في السماء لملائكة قيام لا يجلسون أبدا ، ومنهم سجود لا يرفع رأسه أبدا ، وراكع لا يستوي قائما أبدا ، أو رافع وجهه لا يطرف شاخصا أبدا يقولون : سبحان الملك القدوس ربّ الملائكة والروح ، ربّ ما عبدناك حق عبادتك. فبكا ذو القرنين بكاء شديدا ثم قال : يا زيافيل إني أحب أن أعمّر حتى أبلغ عبادة ربي حق طاعته ، قال : وتحب ذاك يا ذا القرنين ، قال : نعم ، قال زيافيل : فإن لله عينا تسمى عين الحياة ، من شرب منها شربة لم يمت أبدا حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت ، قال ذو القرنين : فهل تعلمون أنتم موضع تلك العين؟ قال زيافيل : لا ، غير أنّا نتحدث في السماء أن لله في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان ، فنحن نظن أن العين في تلك الظلمة.
فجمع ذو القرنين علماء أهل الأرض ، وأهل دراسة الكتب وآثار النبوة ، فقال : أخبروني هل وجدتم في كتاب الله ، وفيما عندكم من أحاديث الأنبياء والعلماء قبلكم أن الله وضع في الأرض عينا سماها عين الحياة؟ قالوا : لا ، قال ذو القرنين : فهل وجدتم فيها أن الله وضع في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان؟ قالوا : لا ، قال عالم منهم : أيها الملك لم تسأل عن هذا؟ قال : فأخبره بما قال له زيافيل ، فقال له : أيها الملك ، إني قرأت وصية آدم فوجدت فيها أن الله وضع في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان ، قال ذو القرنين : فأين وجدتها من الأرض؟ قال : وجدتها عند قرن الشمس ، فبعث ذو القرنين فحشر الفقهاء والأشراف والملوك والناس ، ثم سار يطلب مطلع الشمس ، فسار إلى أن بلغ طرف الظلمة اثنتي عشرة سنة ، فأما الظلمة فليست بليل ، وهي ظلمة تفور مثل الدخان فعسكر ثم جمع علماء أهل عسكره فقال لهم : إني أريد أن أسلك هذه الظلمة ، فقالوا : أيها الملك قد كان قبلك من الأنبياء والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة قبل أن تطلبها فإنا نخاف أن ينبعق (٢) عليك أمر تكرهه ، ويكون فيه فساد أهل الأرض ،
__________________
(١) في البداية والنهاية : «رناقيل» وفي قصص الأنبياء للثعلبي : «رفائيل» وفي الدر المنثور : «زرفائيل».
وهذا الملك على ما ذكره الدارقطني في الأخبار : هو الذي يطوي الأرض يوم القيامة. وينقصها فتقع أقدام الخلائق كلها بالساهرة ، فيما ذكره بعض أهل العلم. والساهرة : أرض يجددها الله يوم القيامة.
(٢) انبعق المزن : انبعج بالمطر ، وانبعق بالكلام : اندفع.
والانبعاق : أن ينبعق عليك الشيء فجأة وأنت لا تشعر (القاموس).