القاسم الكوكبي ، نا محمّد بن كثير العبدي ، نا عبد الملك بن قريب الأصمعي ، حدّثني عمر بن الهيثم ، قال : بينما خالد بن عبد الله بظهر الكوفة متنزها إذ حضره أعرابي فقال : يا أعرابي أين تريد؟ قال : هذه القرية ـ يعني الكوفة ـ ، قال : وما ذا تحاول بها؟ قال : قصدت خالد بن عبد الله متعرضا لمعروفه ، قال : فهل تعرفه؟ قال : لا ، قال : فهل بينك وبينه قرابة؟ قال : ولا ولكن لما بلغني من بذله المعروف وقد قلت فيه شعرا أتقرب به إليه ، قال خالد فأنشدني ما قلت ، فأنشأ يقول :
إليك ابن كرز الخير أقبلت راغبا |
|
لتجبر مني ما وهى وتبدّدا |
إلى الماجد البهلول ذي الحلم والندى |
|
وأكرم خلق الله فرعا ومحتدا |
إذا ما أناس قصّروا بفعالهم |
|
نهضت فلم تلق (١) هنالك مقعدا |
فيا لك بحرا يغمر الناس موجه |
|
إذا يسأل المعروف جاش وأزبدا |
بلوت ابن عبد الله في كل موطن |
|
فألفيت خير الناس نفسا وأمجدا |
فلو كان في الدنيا من الناس خالد |
|
لجود بمعروف لكنت مخلّدا |
فلا تحرمني منك ما قد رجوته |
|
فيصبح وجهي كالح اللون أربدا |
فحفظ خالد الشعر ، وقال له : انطلق صنع الله لك.
فلما كان من غد دخل الناس إلى خالد واستوى السماطان بين يديه ، تقدم الأعرابي وهو يقول :
إليك ابن كرز (٢) الخير أقبلت راغبا ...
فأشار إليه خالد بيده أن اسكت ثم أنشد خالد بقية الشعر ، وقال له : يا أعرابي قد قيل هذا الشعر قبل قولك فتحير الأعرابي وورد عليه ما أدهشه ، وقال : تالله ما رأيت كاليوم سببا لخيبة وحرمان ، فانصرف وأتبعه خالد برسول ليسمع ما يقول ، فسمعه الرسول يقول :
ألا في سبيل الله ما كنت أرتجي |
|
لديه وما لاقيت من نكد الجهد (٣) |
__________________
(١) الجليس الصالح : فلم تلفى.
(٢) هنا في الجليس الصالح برواية : ابن عبد القيس.
(٣) الجليس الصالح : الجد.