الآخرة من هذه السنة من جرح أصابه في حصار ميافارقين ، وكان من أكبر الأمراء ، زوّجه السلطان أخته ربيعة خاتون ، فلما توفي تزوجها مظفر الدين (١) صاحب إربل ، وفي زماننا وسعت تربتها وصارت جامعا وأقيمت فيه الجمعة وغيرها انتهى. قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة في الروضتين في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة : قال العماد في هذه السنة توفيت الخاتون ذات العصمة بدمشق في ذي القعدة ، وهي عصمة الدين بنت معين الدين أنر ، وكانت في عصمة الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمهالله ، فلما توفي وخلفه السلطان بالشام في حفظ البلاد ونصرة الاسلام تزوج بها في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ، وهي من أعف النساء وأعصمهن وأجهلن في الصيانة وأحزمهن ، متمسكة من الدين العروة الوثقى ، ولها أمر نافذ ومعروف وصدقات ورواتب للفقراء وإدرارات وبنت للفقهاء والصوفية بدمشق مدرسة ورباطا. قلت : وكلاهما ينسبان إليها ، فالمدرسة داخل دمشق بمحلة حجر الذهب قرب الحمام الشركسي ، والرباط خارج باب النصر راكب على نهر بانياس في أول الشرف القبلي ، وأما مسجد خاتون الذي في آخر الشرف القبلي من الغرب ، فهو منسوب إلى خاتون أخرى قديمة تقدم ذكرها ، وهي زمرد بنت جاولي أخت الملك دقاق لأمه والد نور الدين رحمهماالله تعالى ، قال العماد : وذلك سوى وقوفها على معتقيها وعوارفها وأقاربها ، وكان السلطان حينئذ بحرّان في بحر المرض وبحرانه ، وعنف الألم وعنفوانه ، فما أخبرناه بوفاتها خوفا من تزايد علته وتوقد غلته ، وهو يستدعي في كل يوم درجا ويكتب إليها كتابا طويلا ، ويلقي على ضعفه من تعب الكتابة والفكر حملا ثقيلا ، حتى سمع نعي ناصر الدين محمد بن شيركوه ابن عمه فنعيت إليه الخاتون ، وقد تعدت عنه إليهما المنون ، وكانت وفاة ناصر الدين بحمص في تاسع ذي الحجة فجأة من غير مرض ، وأجرى السلطان أسد الدين شيركوه ولده على ما كان لوالده ومقابلته بأحسن عوائده. قلت : وقبر الخاتون المذكورة في التربة المنسوبة إليها بسفح
__________________
(١) شذرات الذهب ٥ : ٤٣٨.