الحديث بمصر والشام وخرّج له الحافظ أبو العباس الدمياطي جزءا من حديثه ، وحدث به وشغل الناس بمصر ، ثم قدم مع قاضي القضاة السبكي إلى دمشق فاستنابه ، وتصدى لشغل الناس بالعلم ، وقصده الطلبة ، وحضر حلقته الفضلاء وعلا صيته ، وتقدم على شيوخ الشام ، وله إذ ذاك بضع وثلاثون سنة ، واشتهرت فضائله. ودرّس بالأتابكية والظاهرية البرانية والرواحية والقيمرية كما سيأتي فيهن ، ثم ولي القضاء بدمشق مع تدريس الغزالية والعادلية مدة يسيرة ثم طلب إلى مصر في أوائل سنة خمس وستين بعد ما نزل عن وظائفه لولديه ، فولي قضاء العسكر والوكالة السلطانية ونيابة الحكم الكبرى ، ثم ولي قضاء القضاة بالديار المصرية مع الوظائف المضافة إلى القضاء ، واستمر نحو سبع سنين ، ثم عزل ودرّس بقبة الإمام الشافعي رحمهالله تعالى والمنصورية ، ثم ولي قضاء الشام وقدمها في أوائل سنة سبع وخمسين قاضيا ومدرسا بالغزالية والعادلية والناصرية وشيخا بدار الحديث الاشرفية ، وأضيف إليه قبل موته بشهر الخطابة بالجامع الأموي. توفي رحمهالله تعالى في جمادى الأولى سنة سبع بتقديم السين وسبعين وسبعمائة فاجتمعت في ميلاده سينان وفي وفاته ثلاث ، ودفن بتربة السبكيين بالسفح.
ومنهم ولده قاضي القضاة ولي الدين أبو ذر عبد الله (١) ميلاده في جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بالقاهرة ، وسمع من جماعة بها وسمع بدمشق من الحافظ المزي وأبي العباس الجزري وغيرهما ، وحفظ (الحاوي الصغير) وأخذ عن والده وغيره ، وأفتى ودرس بالشامية الجوانية والرواحية والأتابكية والقيمرية ، وناب في القضاء ، وولي وكالة المال ، ثم ولي القضاء والخطابة ومشيخة دار الحديث وتداريس القضاء سنة سبع وسبعين نحو ثمان سنين ونصف إلى أن توفي في شوال سنة خمس وثمانين وسبعمائة ، ودفن عند والده بتربة السبكيين بالسفح.
__________________
(١) ابن ابي البقاء توفي ٧٨٥ هجرية شذرات الذهب ٦ : ٢٨٨.