راح إليه وتغمم له وتمازحا هنالك ، ثم جاء البريد بطلبه إلى الديار المصرية ، فخاف البواب من ذهابه إليها وفضوله وشره ، فأصبح يوم الجمعة ثالث شعبان وهو مشنوق بالمدرسة العذراوية ، فطلب القضاة والشهود فشاهدوه كذلك ، ثم جهز وصلي عليه يوم الجمعة ، ثم دفن بمقابر الصوفية عند أبيه ، وكان مدرسا بالرواحية وتربة أم الصالح مع الوكالتين والنظر انتهى.
وقال الصفدي في تاريخه في المحمدين : ناصر الدين بن المقدسي المشنوق محمد بن عبد الرحمن بن نوح بن محمد الفقيه الرئيس الدمشقي الشافعي تفقه على والده العلامة أجل أصحاب بن الصلاح شمس الدين ، وسمع من ابن اللتي حضورا وتاج الدين بن حمويه (١) ، وتميز في الفقه قليلا ، ودرّس بالرواحية وتربة أم الصالح ، ثم داخل الدوادار ، وتوصل إلى أن ولي سنة سبع وثمانين وكالة المال ونظر جميع الأوقاف بدمشق ، وفتح أبواب الظلم ، وخلع عليه بطرحة غير مرة ، وخافه الناس ، وظلم وعسف وعدا طوره ، وتحامق حتى تبرم منه النائب ومن دونه وكاتبوا فيه فجاء الجواب بالكشف عما أكل من الأوقاف ومن أموال السلطان والبرطيل فرسموا عليه بالعذراوية وضربوه بالمقارع ، فباع ما يقدر عليه وحمل جملة وذاق الهوان ، واشتفى منه الأعادي ، وكان قد أخذ من السامري أن يبقيه فمضى إليه وتغمم له متشفيا ، فقال له : ساءلتك الله أن لا تعود تجيء إلي ، فقال فيه هذه الأبيات التي أولها يقول :
ورد البشير بما أقرّ الأعينا |
|
فشفى الصدور وبلغ الناس المنى |
إن أنكر اللص العظيم فعاله |
|
في المسلمين فأول القتلى أنا |
ولما ولّاه السلطان الوكالة ، قال علاء الدين بن مظفر الوداعي : ونقلت ذلك من خطه رحمهالله تعالى وهو :
قل للمليك أمدّه |
|
ربّ العلى منه بروح |
إن الذي وكلته |
|
لا بالنصيح ولا الفضيح |
__________________
(١) شذرات الذهب ٥ : ٢١٤.