ونشر بها علم الطب ، واتصل بامرأة من بنات الملوك وبنت له مدرسة جاروخ ، ثم توجه إلى شيراز وبني له بها مدرسة ، فلما جاءت دولة ابن القصاب (١) أحضره إلى بغداد وولاه تدريس النظامية ، ويوم ألقى الدرس كان يوما مشهودا ، فدرس بها أسبوعا ، وسيّر في الرسالة إلى همذان ، وكان أحذق أهل زمانه مع سكون ظاهر وقلة انزعاج ، روى عنه ابن خليل في معجمه ، وخرج رسولا إلى خوارزم شاه إلى أصبهان فمات بطريقه بهمدان في ذي القعدة ودفن هناك انتهى. وقال ابن الدبيثي (٢) برع في المذهب حتى صار أوحد أهل زمانه ، وتفرّد بمعرفة الأصول والكلام ، وما رأينا أجمع لفنون العلم منه مع حسن العبارة ، وكان بينه وبين شيخ الشافعية جمال الدين بن فضلان (٣) مناظرات ، وكان كل منهما يشنّع على الآخر ، وتوفي ابن فضلان بعده في شعبان سنة خمس وتسعين وخمسمائة :
وقال الذهبي في العبر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة : والمجير الإمام محمود ابن المبارك الواسطي البغدادي الفقيه الشافعي ، أحد الأذكياء والمناظرين ، تفقه على أبي منصور بن الرزاز ، وأخذ علم النظر عن أبي الفتوح محمد بن الفضل الأسفرائيني (٤) ، وصار المشار إليه في زمانه والمقدم على أقرانه ، حدث عن ابن الحصين (٥) وجماعة ، ودرّس بالنظامية ، وكان طويلا جدا غواصا على المعاني ، قدم دمشق وبنيت له مدرسة جاروخ ، ثم توجه إلى شيراز وبنى له ملكها مدرسة ، ثم أحضره ابن القصاب وقدمه انتهى. وابن القصاب المذكور هو الوزير الكبير مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن علي البغدادي المنشئ البليغ ، توفي في هذه السنة المذكورة وهي سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. ثم درس بها الفقيه أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المعروف بالمصيصي الأشعري نسبا ومذهبا ، سكن دمشق ، ودرّس بهذه المدرسة ، كما قاله ابن
__________________
(١) شذرات الذهب ٤ : ٣١١.
(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٨٥.
(٣) شذرات الذهب ٤ : ٣٢١.
(٤) شذرات الذهب ٤ : ١١٨.
(٥) شذرات الذهب ٤ : ٧٧.