وسمع معجمه العدد الكثير ، واشتغل وأفتى ، وصنف ودرّس بالمنصورية والهكّارية والسيفية ، وتفقه به جماعة من الأئمة كالأسنوي (١) وأبي البقاء وابن النقيب وقريبه تقي الدين أبو الفتح (٢) وأولاده وغيرهم من الأئمة الأعلام ، وولي قضاء دمشق في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين عوضا عن جلال الدين القزويني ، وباشر القضاء على الوجه الذي يليق به ست عشرة سنة وشهرا ، وقد درس بدمشق في الغزالية والعادلية الكبرى والأتابكية هذه والمسرورية والشامية البرانية ، وليها بعد موت ابن النقيب ، قال ولده : فما حلّ مفرقها ولا اقتعد بمشرقها أعلم منه ، كلمة لا استثناء فيها ، وولي بعد الحافظ المزي مشيخة دار الحديث الأشرفية ، وقد خطب بجامع دمشق مدة طويلة ، وجلس للتحديث بالكلاسة ، فقرأ عليه الحافظ تقي الدين أبو الفتح السبكي جميع معجمه الذي خرّجه له الحافظ شهاب الدين بن أيبك الدمياطي (٣) ، وسمعه عليه خلائق منهم : الحافظان أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي. وفي آخر عمره استعفى من قضاء الشام ورجع إلى مصر متضعفا فأقام بها دون العشرين يوما ، وتوفي رحمهالله تعالى في جمادى الآخرة سنة ستة وخمسين وسبعمائة ، ودفن بمقابر الصوفية هناك. ثم درّس بها قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء ابن السبكي ، ثم ولده قاضي القضاة ولي الدين أبو ذر عبد الله ، ثم العلامة زين الدين أبو حفص الملحي ، وقد تقدمت تراجم هؤلاء الثلاثة في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. ثم درّس بها قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء المتقدم ذكره ، ميلاده في شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وسمع من جماعة ، وأخذ عن والده وغيره من علماء العصر ، وفضل في عدة فنون ، واشتغل ، ودرس ، وأفتى ، وحدث بمصر والشام وغيرهما ، ودرس بدمشق بالأتابكية هذه ، والرواحية وغيرهما ، وناب عن والده في القضاء وغيره بالقاهرة وغيرها وباشر عدة وظائف ، وولي مشيخة الحديث
__________________
(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٢٣.
(٢) شذرات الذهب ٦ : ١٤١.
(٣) شذرات الذهب ٦ : ١٦٠.