بلد من بلاد أذربيجان والروم والجزيرة إلا ساموها سوء العذاب ، ينهبون ، ويقتلون ، ويخربون ، ولم تنته سنة ٦٢٨ إلا وبلاد أذربيجان جميعها تحت سلطانهم.
وقد أكثروا في هذه السنة وما بعدها ، من غاراتهم ، واعتداءاتهم على بلاد العراق والجزيرة والروم وديار بكر ، وأكثروا فيها من القتل والنهب.
ولما رأى التتار من ظهور أمرهم ، وعظم سلطانهم ، قام ملكهم تولي بن جنكيز خان في سنة ٦٣٨ بدعوة ملوك الإسلام إلى طاعته.
ولم يتوقف التتار عن اعتداءاتهم على البلاد الإسلامية ، بل واصلوا ذلك ، حتى جرت بينهم وبين جيش الخليفة العباسي وقعة عظيمة في سنة ٦٤٣ كسر فيها جند التتار ، ولاذوا بالفرار. ومع هذا فقد ظلوا يعيثون الفساد في الأرض ، وقد استحكم هذا الفساد في سنة ٦٥٦ عندما ارتكبوا جريمتهم الكبيرة ، وجريرتهم الشنيعة ألا وهي دخولهم حاضرة الخلافة العباسية بغداد بعد أن حاصرها ٢٠٠٠٠٠ مقاتل منهم حصارا محكما ، وضيقوا عليها الخناق ، وقاتلوا جندها قتالا شديدا ، فقد وضعوا السيف في رقاب أهلها ولم يسلم منهم عظماؤها وكبراؤها ، فقد قتلوا الخليفة الشهيد أبي أحمد عبد الله المستعصم بالله بن المستنصر بالله آخر خلفاء بني العباس بالعراق وقتلوا العلماء والقضاة والأئمة والأمراء ، وارتكبوا الفواحش ، وظلوا على هذه الحال أربعين يوما حتى خوت بغداد على عروشها ، وسالت دروبها بدماء القتلى ، وأنتنت الجيف حتى حل بهذه البلدة العظيمة وباء شديد ، سرت عدواه إلى بلاد الجزيرة والشام.
وقد قدرت أعداد القتلى في حاضرة الخلافة ب ٨٠٠٠٠٠ ، وقيل ب ١٨٠٠٠٠٠ ، وقيل ب ٢٠٠٠٠٠٠ ، وكان الذي تولى كبر ما حل ببغداد من مصائب هو الرافضي الخبيث ابن العلقمي وزير الخليفة المستعصم بالله ، فهو الذي دعى ملك التتار هولاكو لدخول بغداد ، بعد أن عمل على تقليص عدد جيش الخلافة ، فكان لعنه الله كما كان أسلافه الباطنيون من قبله ، عونا ويدا على المسلمين.