ولما تم لهولاكو إخضاع بغداد ، أخذ يعد العدة لضم البلاد الجزرية ، والشامية إلى مملكته ، فقد تمكن في سنة ٦٥٧ من السيطرة على البلاد الجزرية ، وفي السنة التالية جاز الفرات إلى بلاد الشام ، فذعر الناس ، وفر الكثير منهم إلى الديار المصرية وكان ذلك في زمن الشتاء فلحقهم أذى شديد ، ومات منهم خلق كثير.
وقد قصد هولاكو مدينة حلب ، فحاصرها ، ثم دخلها بالأمان ، لكنه كعادة قومه آثر الغدر ، ووضع السيف في رقاب أهلها ، فقدرت قتلاها ب ٥٠٠٠٠ إنسان ، واقترف جنده فيها كل رذيلة ، وسبوا من شاءوا من نسائها وأطفالها ، ونهبوا خيراتها وثرواتها ، وخربوا أسوارها ، فلما علم أهل حمص وحماة ما حل بصاحبتهم طلبوا الأمان فأجيبوا إليه.
ثم أرسل هولاكو طائفة من جنده إلى دمشق فدخلوها دون ممانعة ، وكتبوا الأمان لأهلها ، لكن حامية قلعتها أبوا الاستسلام فحاصرتهم التتار وقاتلتهم حتى تملكوا القلعة ثم خربوها.
وقد تولى إمرة دمشق رجل تتري فيه ميل إلى النصارى ، فعمل على رفع مكانة هؤلاء الضالين ، فراحوا يعلنون عداءهم للمسلمين ، فذموا شرائع الإسلام ، ورفعوا صلبانهم ، ونشروا الخمور ، وأسرفوا في الفساد.
ولما تمكن التتار من دمشق ، واصلت طائفة منهم السير إلى نابلس وغزّة فملكوهما ، ونهبوا ما مروا عليه من الديار ، وفي عزمهم مواصلة التقدم إلى مصر ، عندها أراد الله سبحانه أن يكرم الأمة الإسلامية بنصر مؤزّر من عنده يذل به أمة التتار الظالمة التي جاست خلال الديار ، وجعلت أعزة أهلها أذلة ؛ فقام سلطان مصر الملك المظفر سيف الدين قطز بإعداد العدة ، وتعبئة الجيوش ، ثم زحف إلى جهة الشام ، والتقى مع جيش التتار ـ بقيادة أميرهم الكبير كتبغانوين الذي فتح لهولاكو أقصى بلاد العجم إلى الشام ـ في عين جالوت وذلك في سنة ٦٥٨ ، واشتد القتال بين الفئتين ، وصبر المسلمون