بخلافة المتوكل فأبطل هذا الأمر ، وأعاد الأمة إلى سبيل الخير والرشاد ، ونصر العلوم النقلية ، فشكره الناس على فعلته الحميدة هذه.
ولما ضعفت الدولة العباسية ، ووهنت قواها ، واستقلت ولاياتها ، اختلط الأمر ، فدولة تراها تميل إلى العلوم النقلية ، ودولة تراها تجنح إلى العلوم العقلية البحتة ، ومنهم من يتوسط بين الأمرين. ومجمل القول في ذلك أن الدولة الإسلامية التي كان يحكمها أهل السنّة تنتشر فيها العلوم النقلية ، وخاصة علم الحديث ، أما الدول التي حكمها الرافضة ، وأهل البدع فتراها منغمسة في علوم الأوائل ، ومحاربة لبعض العلوم الإسلامية ، وأصدق مثال على هذا دولة بني بويه في المشرق ، وبغداد ، والدولة العبيدية في المغرب ، ومصر.
وأعود الآن إلى أصل الموضوع ، وأتناوله فقرة فقرة :
أولا ـ فشو العلم في الحكام ، وعنايتهم به : فقد كان الراشدون رضوان الله تعالى عليهم أهل علم وفقه ، وكان كثير من الخلفاء بعدهم على شاكلتهم ، كمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وعبد الملك بن مروان ، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأبي جعفر المنصور ، والمهدي بن المنصور ، وهارون الرشيد بن المهدي ، والمأمون بن الرشيد ، والواثق بالله بن المعتصم.
كما برز في العصر الثاني للدولة العباسية خلفاء علماء كالقادر بالله بن المقتدر ، والمستظهر بالله بن المقتدي بالله ، والمسترشد بالله بن المستظهر بالله ، والراشد بالله بن المسترشد بالله ، والمقتفي لأمر الله بن المستظهر بالله ، والناصر لدين الله بن المستضيء بأمر الله.
بل كان من خلفاء العباسيين بمصر من له اشتغال بالعلم ، ومشاركة للعلماء كالمستكفي بالله بن الحاكم بأمر الله ، والمعتضد بالله بن المتوكل على