اندفعت له الأفراد من الأقطار البعيدة. وفي دواخل المملكة عدة عيون ماؤها
معدني حار ظاهر النفع مزهود في أمره ، وإن قصده الأباعد فغير موفق إلى تسهيل طرق
الانتفاع به من الأقارب. والحديث الشريف : العالم كالحمة تأتيها البعداء ويتركها
القرباء * ، فبينما هي كذالك إذ غار ماؤها ، وقد انتفع بها قوم وبقي أقوام يتفكنون
أي يتندمون. كنت أقمت في قربص عام ١٣٣٠ ـ ١٩١٢. في رفقة من الأوداء أربعين يوما
وكتبت رسالة في حالته الحاضرة لتقدم إلى من يجب أن تساق لخزاينه الرسايل ، وتحظى
بين يديه مهمات المسايل ، وذلك بمناسبة عزمه إذ ذاك على زيارة قربص ، وعسى أن يسعف
الحال على تنقيحها وإظهارها ، وكتبت على صورته في طالعتها :
صورة الفرد
الهمام العلم
|
|
صانها الله
لنفع الأمم
|
إذ رياض مصر
في تونسنا
|
|
طيب الأصل
وزير القلم
|
٤ ـ والسفر لأماكن طيب الهواء
واعتداله في بعض الفصول والأقطار من ملائمات حفظ الصحة ونعيم العافية ، وهو محبب
حتى للحيوانات ، ومن أشهرها في قطرنا طير الخطاف ، لا يأوي إلى المملكة التونسية
إلّا في أوائل الربيع وينسلخ في أواخر الخريف مصحرا للجهات الحارة ، وربما كان
سواد لونه دالا على ميله لطول الإقامة بالأقاليم الحارة ، كما أن بعض الطيور بهذا
القطر لا ترى إلا في فصل اشتداد البرد. والعلم بترحال الطيور إلى الآفاق البعيدة
اعتنى به أروباويون حتى أنهم يأخذون أنواعها إلى مركز واحد ويطلقونها بعد أن يضعوا
في سوقها حلقا معدنية وعلامات ، ويرسلون في طلب التعريف بالأماكن التي تحل بها
ويعطون الجوايز إلى المخبرين عنها والصائدين لها. وهذا شأن سكان جنوب إفريقيا من
البرابر الملثمين وقبائل العرب من بعدهم ، يصحرون في الشتاء بأنعامهم ويوغلون في
القفر إلى صحراء السودان ، يتبعون انحدار ميل الشمس من الشمال إلى الجنوب ومواقع
__________________