أبناءهم ونساءهم ونهاهم عن طاعتهم ، ومنهم من يمضي ويذرهم ويقول : أما والله لئن لم تهاجروا معي ثم يجمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبدا» (١).
وفي توجيه القرآن الخطاب للمؤمنين بالذات في هذه الآية بيان لحقيقة واقعية وهي : أنّ المؤمن الحقيقي مجاهد بطبعه ، لذلك تتوالى عليه الضغوط والتحديات ، ولأنّه من دون سائر الناس يتحمّل المسؤولية الرسالية ، وبالتالي فإنّه الأولى بمثل هذا الخطاب ، والأقرب لفهم معانيه ، فهو هنا ذلك الإنسان الذي آمن بربه وحده ، وأطاع قيادة الحق متوكّلا على الله. وكيف يدرك المتقاعسون معنى التحديات الأسرية والاجتماعية والسياسية وهم يسبحون مع تيّارها وليس ضده كما يفعل المؤمنون الصادقون؟!
ولا تعني الآية من الأزواج النساء وفقط ، فقد تكون الزوجة مؤمنة مجاهدة ويكون العدو هم الزوج والأولاد فهي مسئولة أيضا. وما أروع موقف وهب الأنصاري حينما تحدّى تثبيط زوجته إذ تعلّقت به لتردعه عن خوض القتال دفاعا عن الإسلام بين يدي الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ ولكنّه اندفع إلى الشهادة ، لأنّ حبّ الله كان أنفذ بقلبه من عاطفته تجاه زوجته الشابّة! وما أعظم موقف آسية بنت مزاحم وهي تتحدى طغيان زوجها فرعون حتى استشهدت موثّقة بالأوتاد! ولعمري إنّ التاريخ الرسالي لحافل بمواقف البطولة للنساء والرجال على سواء ، الذين فكّوا حلقة الأسرة ، وانطلقوا في رحاب الدفاع عن القيم السامية.
وكما أنّ العداوة تتخذ ألوانا فإنّ عداوة الأزواج والأولاد قد لا تظهر على شفرة سيف ، ولا سنان رمح ، ولكنّها تتمثل في مظاهر أخرى عاطفية واجتماعية واقتصادية ، فحينما يكون المؤمن متفانيا لقضيته منصهرا في بوتقة أهدافه فإنّ معاداة
__________________
(١) تفسير القمّي / ج ٢ ص ٣٧٢