أسرته للقضية والأهداف هي في الواقع معاداة له ذاته ، ولو جاءت تلك المعادات في صورة قشيبة من جهة التظاهر بحبّه.
وإذا لم يحذر المؤمن هذه العداوة فإنّ عاقبته الخسران ، ذلك أنّ الطغاة والمترفين والكسالى والرجعيين يحسنون استخدام سلاح الأسرة ضد المؤمن الرسالي ، لذلك تراهم ما يبرحون يسعون بشتى الأساليب ترغيبا وترهيبا وتضليلا لإدخالها في معادلة الصراع ضد الرساليين.
(فَاحْذَرُوهُمْ)
أي خذوا الحيطة المسبقة ، وتحصّنوا ضد عداوتهم. وأمره تعالى بالاحتياط هنا ثم دعوته إلى الصفح والتسامح بعدئذ يدلّ على أنّ العداوة المعنيّة ليست التي تصل إلى حدّ القتال بل هي العداوة الخفية ، كالتي تستهدف التثبيط والنيل من عزيمة الجهاد لدى الإنسان المؤمن.
وثمّة ملاحظة جديرة بالانتباه تجدها في وزن كلمات الآية من الزاوية البلاغية ، فقد قال تعالى : «عدوّا» بالإفراد ، ثم قال : «فاحذروهم» بالجمع ، لأنّ العدو قد يكون واحدا منهم ولكنّه مندسّ بين أبناء العائلة ومؤثّر فيهم فلا بد أن يحذر المؤمن الجميع ويتوجّس خيفة من أيّ كلمة تثبيط تتغلّف بالودّ والعاطفة ، سواء صدرت من أمه وأبيه أو زوجته وبنيه أو أخته وأخيه ، وبهذا الحذر وحده يستطيع أن يتجنّب الفضل الذي وقع فيه الكثير من الناس ، فما أكثر القرارات الصائبة التي ضربت عرض الحائط بسبب دمعة تحلّقت في جفون الزوجات أو كلمة عاطفية صدرت من أم أو أب؟!!
وليست الدعوة إلى الحذر تعني المقاطعة التامّة مع الأسرة ، كلّا .. بل لا بد أن يتحرك في علاقاته ضمن معادلة متوازنة إحدى كفّتيها الاحتياط والحذر ، والأخرى