هكذا اجتاز موسى مراحل الاختبار ، وتخطى امتحانات الرسالة بسهولة ويسر ، فلما اجتازها جميعا بنجاح ، حمّله الله الرسالة ، وبعد أن حمل الرسالة ، طلب موسى من ربه أشياء لم تكن مجرد طلبات ، بل كانت أيضا قرارات أقرّها موسى على نفسه.
إنك لا تدعو ربك بدعاء إلّا بعد أن تقرر الوصول الى ما تدعو الله له بكل وسيلة مادية مقدورة لك ، وتدع بقية الوسائل التي لا تستطيعها الى الله سبحانه. إذا دعوت الله أن يطعمك فلا يعني ذلك بأن تجلس في بيتك إنّما عليك أن تبحث عن أرض صالحة وعن طريقة لتوصيل الماء إليها ، وعن حب تزرعه فيها ، وعن عملية مبتكرة للزراعة والسقاية والحرث والحصاد ، ثمّ تطحنه وتخبزه وتحضره ، وآنئذ تأكله.
وأنت في هذه المسيرة الطويلة تتعرض لصعوبات وعوامل مضادة لعملية الزراعة ، تلك العوامل المضادة التي ليس في وسعك التغلب عليها ، فتدعو الله أن ينصرك عليها ، أما العوامل التي تستطيع أن تقوم بتوفيرها عمليا فينبغي أن تسعى من أجلها ، هذا هو جوهر الدعاء.
لقد طلب موسى من الله سبحانه مجموعة طلبات كانت في نفس الوقت مجموعة قرارات أقرّها لنفسه كي يقوم بما طلب : أن يشرح له صدره ، ويحل عقدة من لسانه ، وييسر أمره ، ويجعل له وزيرا من أهله وهكذا ، هذه الطلبات كلها كانت تعني حيث علم موسى : ان حمل الرسالة بحاجة الى هذه الشروط الخمسة.
الشرط الأول : سعة الصدر ، فسعة الصدر آلة الرئاسة ولا يستطيع الفرد أن يصل الى الرئاسة الحقيقية بحمل الرسالة وتبليغها الى الناس ، من دون أن يكون صدره واسعا ، وسعة الصدر تعني الصبر ، وعدم الحزن أو التأثر من كلام المخالفين