هذه الحالة ، ولكنهم على أيّ حال تأثروا بها نفسيا ، فحين أنقذهم الله غيبيا بقيت آثار تلك السيطرة عالقة بنفوسهم ، ولم يقدروا على ممارسة حريتهم والحضور في ساحات الحياة ، واتخاذ القرارات المناسبة فيها اعتمادا على أنفسهم ، لذلك حنّوا الى حالتهم السابقة فطالبوا موسى باله ـ كما لهم آلهة ـ والإله هو السلطان الاجتماعي والسياسي والثقافي ، ورمز هذا الإله هو الصنم ، وبنو إسرائيل في هذه الصفة كانوا تماما مثل الشعوب التي تتحرر من الاستعمار السياسي ، ولكنها تقلد الغرب والشرق في أنظمتها وثقافتها ، وكأنها تخرج من الاستعمار القسري وتعود الى الاستعمار اختياريا ، وذلك لاستمرار قابلية الاستعمار في أنفسهم.
أما موسى (عليه السلام) فقد شرح لقومه أولا العامل الداخلي لهذا الطلب وهو الجهل وقلة الوعي.
(قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)
[١٣٩] وبين لهم ثانيا : ان وضع هؤلاء هالك ولا دوام له ولا استمرار ، إذ أن الوضع الفاسد لا يملك رصيدا واقعيا ، كشجرة مجتثة من فوق الأرض ، ظاهرها شجرة ، وواقعها حطبة.
وبين ثالثا : أن العمل الذي يقوم به الإنسان في اطار النظام الفاسد هو عمل باطل ، وينتهي الى الدمار حتى ولو كان ظاهر العمل حسنا ، مثلا : ظاهر البناء أنه عمل جيد ، ولكن إذا كان المهندسون والبناؤون ومصانع الحديد ومعامل الاسمنت كلها تعمل من أجل بناء معتقل أو قاعدة صاروخية تقذف المستضعفين فان هذا العمل تخريب وليس بناء ، كذلك كل عمل لا يكون ضمن اطار صالح أو هدف مقدس فانه باطل وينتهي ، لذلك قال موسى (عليه السلام) لقومه :
(إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)