للإسراع والخفّة ، فلذلك سموا كل ما مذل (١) به اللسان من الأصوات قولا ، ناقصا كان ذلك أو تامّا. وهذا واضح مع أدنى تأمّل.
واعلم أنه قد يوقع كل واحد من الكلام والقول موقع صاحبه ، وإن كان أصلهما قبل ما ذكرته ؛ ألا ترى إلى رؤبة كيف قال :
لو أننى أوتيت علم الحكل |
|
علم سليمان كلام النمل (٢) |
يريد قول (٣) الله عزوجل (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) [النمل : ١٨] وعلى هذا اتسع فيهما جميعا اتساعا واحدا ، فقال أبو النجم :
قالت له الطير تقدم راشدا |
|
إنك لا ترجع إلا حامدا (٤) |
وقال الآخر :
وقالت له العينان : سمعا وطاعة |
|
وأبدت كمثل الدر لمّا يثقب (٥) |
وقال الراجز :
__________________
(١) مذل به : أى سمح به وسهل عليه.
(٢) الرجز لرؤبة بن العجاج فى ديوانه ص ١٣١ ، ولسان العرب (حكل) ، (فطحل) ، وتهذيب اللغة ٤ / ١٠١ ، وجمهرة اللغة ص ٥٦٢ ، ومجمل اللغة ٢ / ٩٤ ، وتاج العروس (حكل) ، (فطحل) وبلا نسبة فى المخصص ٢ / ١٢٢ ، وديوان الأدب ١ / ١٥٨ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٩١. ويروى : أو بدلا من لو ، وقبلهما:
* فقلت قول مرس ذى قحل*
الحكل : العجم من الطيور والبهائم ، والحكل من الحيوان ما لا يسمع له صوت كالذّرّ والنّمل ، وأصل الحكلة كالعجمة لا يبين صاحبها الكلام. اللسان : (حكل).
(٣) كأنه يريد أن حديث النملة أشبه بالاعتقاد فكان الأجدر به القول الذى يستعمل فى الرأى والاعتقاد لخفائه ، فاستعمال الكلام فيه من إيقاع الكلام موقع القول. (نجار). والأولى ـ والله أعلم ـ أن يقال إنه نظر إلى اللفظ فى كل من بيت رؤبة والآية ، فبيت رؤبة حكى ما كان من النمل بلفظ (الكلام) لا القول ، والآية حكته بلفظ القول (قالت نملة) فكان ذلك من رؤبة إيقاعا للفظ الكلام موضع القول.
(٤) الرجز لأبى النجم فى لسان العرب (قول) ، وأساس البلاغة (قول) ، وتاج العروس (قول).
(٥) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (قول) ، وتاج العروس (قول). ويروى عجزه هكذا : وحدرتا كالدّرّ ، بدلا من : وأبدت كمثل الدر.