ومن ذلك قولك فى الإضافة إلى مائة فى قول سيبويه ويونس جميعا فيمن ردّ اللام : مئوىّ كمعوىّ ، فيتوافى اللفظان على أصلين مختلفين. ووجه ذلك أن مائة أصلها عند الجماعة مئية ساكنة العين ، فلمّا حذفت اللام تخفيفا جاورت العين تاء التأنيث ، فانفتحت على العادة والعرف فى ذلك ، فقيل : مائة. فإذا رددت اللام فمذهب سيبويه أن يقرّ العين بحالها متحرّكة وقد كانت قبل الردّ مفتوحة ، فتقلب لها اللام ألفا ، فيصير تقديرها : مئا كمعى فإذا أضفت إليها أبدلت الألف واوا فقلت : مئوى كثنوىّ. وأمّا مذهب يونس فإنه كان إذا نسب إلى فعلة أو فعلة مما لامه ياء أجراه مجرى ما أصله فعلة أو فعلة ؛ ألا تراه كيف كان يقول فى الإضافة إلى ظبية : ظبوىّ. ويحتجّ بقول العرب فى النسب إلا بطية : بطوىّ ، وإلى زنية : زنويّ. فقياس هذا أن تجرى مائة ـ وإن كانت فعلة ـ مجرى فعلة ؛ فتقول فيها :
مئوىّ. فيتّفق اللفظان من أصلين مختلفين.
ومن ذلك أن تبنى من قلت ونحوه فعلا ، فتسكّن عينه استثقالا للضمّة فيها ، فتقول : (فول) كما يقول أهل الحجاز فى تكسير عوان ونوار : عون ونور ، فيسكّنون ، وإن كانوا يقولون : رسل وكتب بالتحريك. فهذا حديث فعل من باب قلت. وكذلك فعل منه أيضا قول ، فيتّفق فعل وفعل ، فيخرجان على لفظ متفق عن أوّل مختلف. وكذلك فعل من باب بعت ، وفعل فى قول الخليل وسيبويه : تقول فيهما جميعا بيع. وسألت أبا علىّ رحمهالله فقلت : لو أردنا فعلات مما عينه ياء لا نريد بها أن تكون جارية على فعلة كتينة وتينات؟ فقال أقول على هذا الشرط : تونات ؛ وأجراها لبعدها عن الطرف مجرى واو عوطط.
ومن ذلك أن تبنى من غزوت إصبع بضم الباء ، فتقول : اغز. وكذلك إن أردت مثل إصبع قلت أيضا : اغز. فيستوى لفظ إفعل ولفظ إفعل. وذلك أنك تبدل من الضمّة قبل الواو كسرة فتقلبها ياء ، فيستوى حينئذ لفظها ولفظ إفعل.
وإصبع ، وإن كانت مستكرهة لخروجك من كسر إلى ضمّ بناء لازما ، محكّية ؛ تروى عن متقدّمى أصحابنا.
وما يخرج إلى لفظ واحد عن أصلين مختلفين كثير ، لكن هذا مذهبه وطريقه ؛ فاعرفه وقسه.