وأنشدوا قوله :
فإنك لا تدرى متى الموت جائئ |
|
إليك ولا ما يحدث الله فى غد (١) |
قيل : أجل ، قد جاء هذا ، لكن الهمز الذى فيه عرض عن صحّة صنعة ، ألا ترى أنّ عين (فاعل) مما هى فيه حرف علة لا تأتى إلا مهموزة ؛ نحو قائم وبائع ، فاجتمعت همزة (فاعل) (وهمزة لامه) (٢) ، فصحّحها بعضهم فى بعض الاستعمال (٣). وكذلك خطائئ وبابها : عرضت همزة (فعائل) عن وجوب ، كهمزة سفائن ورسائل ، واللام مهموزة ، فصحّت فى بعض الأحوال بعد وجوب اجتماع الهمزتين. فأما أشأؤها وأدأؤها فليست الهمزتان فيهما بأصلين (٤). وكيف تكونان
__________________
(١) البيت من الطويل وهو بلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٧٢٩ ، وتذكرة النحاة ص ٦٣٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ٤٤. وعجزه :
* ولكنّ أقصى مدّة الموت عاجل*
وفى نسخة : «إليك وما ذا تحدث» بدل «إليك ولا ما يحدث».
(٢) قال فى الإنصاف (٢ / ٧٢٨): «ولم يأت اجتماع الهمزتين فى شيء من كلامهم إلا فى بيت واحد أنشده قطرب» ثم ذكر الشاهد السابق ، وعلق الشيخ محمد محيى الدين قائلا : «ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله «جائئ» واعلم أولا أن هذه الكلمة تروى بهمزتين وتروى بهمزة فياء متحركة بحركة الإعراب وهى الضمة ، واعلم ثانيا أن الأصل الأصيل فى هذه الكلمة «جايئ» بياء ثم همزة ؛ لأنه اسم الفاعل من جاء يجيء مثل باع يبيع ، فانقلبت ياؤه همزة لوقوعها عين اسم فاعل فعل أعلت فيه ، أو لكونها بعد ألف زائدة ، فصار «جائئ» بهمزتين والقياس فى مثل ذلك أن تقلب الهمزة المتطرفة ياء لكونها ثانية همزتين فى موقع اللام من الكلمة فيقال : «جائى» والنحاة يروونه على هذه الصورة ويحركون الياء بالضمة ويقولون : إن الشاعر عامل حرف العلة معاملة الحرف الصحيح وبعبارة أخرى «إن الشاعر عاود الأصل المهجور ، ورجع إليه ، وترك الفرع الذى صار إليه العمل ... وهذا الرجوع ضرورة من ضرورات الشعر» إلى أن قال : «ولكن قطرب بن المستنير روى هذه الكلمة «متى الموت جائئ» بهمزتين ، ليفر من هذه الضرورة ، وفاته أنه وقع فى ضرورة أخرى ، وذلك لأن الهمزتين المتطرفتين إذا تحركتا وانكسرت أولهما وجب قلب الثانية ياء ، وذلك لأن آخر الكلمة بعرض التسكين للوقف ، فتكون الثانية كأنها متطرفة ساكنة إثر أخرى مكسورة ، فبقاء الهمزتين ليس هو المستعمل فى العربية فيكون ضرورة ، فيصدق عليه المثل : «هرب من المطر فوقف تحت ميزاب» الانتصاف من الإنصاف ٢ / ٧٢٩ ، ٧٣٠ ، وانظر الكتاب ٤ / ٣٧٦. قلت : و «جائى» على معاملة حرف العلة معاملة الحرف الصحيح وإلا فاسم الفاعل منه جاء.
(٣) انظر شذا العرف بتحقيقى ط. دار الكتب العلمية.
(٤) فى نسخة : بأصليتين.