يقولون : درهمت الخبّازى ، فهذا غير الأول. وقالوا : رجل مفئود (١) ولم يصرّفوا فعله ، ومفعول الصفة إنما يأتى على الفعل ؛ نحو مضروب من ضرب ، ومقتول من قتل.
فأمّا امتناعهم من استعمال أفعال الويح ، والويل ، والويس ، والويب فليس للاستغناء ، بل لأن القياس نفاه ومنع منه. وذلك أنه لو صرّف الفعل من ذلك لوجب اعتلال فائه كوعد ، وعينه كباع ؛ فتحاموا استعماله لما كان يعقب من اجتماع إعلالين.
فإن قيل : فهلا صرّفت هذه الأفعال واقتصر فى الإعلال لها على إعلال أحد حرفيها ، كراهية لتوالى الإعلالين ، كما أنّ شويت ورويت ونحو ذلك لمّا وقعت عينها ولامها حرفى علّة صحّحوا العين لاعتلال اللام تحاميا لاجتماع الإعلالين ، فقالوا : شوى يشوى كقوله : رمى يرمى؟
قيل : لو فعل ذلك فى فعل ويح وويل لوجب أن تعلّ العين وتصحّح الفاء ؛ كما أنه لمّا وجب إعلال أحد حرفى شويت ، وطويت ، وتصحيح صاحبه أعلّوا اللام وصحّحوا العين ، ومحلّ الفاء من العين محلّ العين من اللام ، فالفاء أقوى من العين ، كما أن العين أقوى من اللام ، فلو أعلّوا العين فى الفعل من الويل ونحوه ، لقالوا وال يويل ، وواح يويح ، وواس يويس ، وواب يويب ، فكانت الواو تثبت هنا مكسورة ، وذلك أثقل منها فى باب وعد ؛ ألا تراها هناك إنما كرهت مجاورة للكسرة فحذفت ، وأصلها يوعد ، والواو ساكنة والكسرة فى العين بعدها.
ولو قالوا يويل لأثبتوها والكسرة فيها نفسها ، وذلك أثقل من يوعد لو أخرجوه على أصله ، وليس كذلك يشوى ويطوى ؛ لأن أكثر ما فى ذلك أن أخرجوه والحركة فيه. وهكذا كانت حاله أيضا فيما صحّت لامه ؛ ألا ترى أنّ يقوم أصله يقوم ، فالعين فى الصحيح اللام إنما غاية أصليّتها أن تقع متحرّكة ثم سكّنت ، فقيل يقوم ، فأمّا ما صحّت عينه وفاؤه واو ، نحو وعد ووجد ، فإن أصل بنائه إنما هو سكون فائه وكسرة عينه ؛ نحو يوعد ، ويوزن ، ويوجد ، والواو كما ترى ساكنة ، فلو أنك تجشّمت تصحيحها فى يويل ، ويويح ، لتجاوزت بالفاء حدّها المقدّر لها
__________________
(١) رجل مفئود : أصيب فؤاد بوجع.