لأنه يلزمنى أن أقول : (قرنأى) ؛ فأبيّن النون لوقوعها قبل الهمزة ، وإذا بانت ذهبت عنها غنّتها ، وإذا ذهبت غنّتها زال شبهها بحروف اللين فى نحو عثوثل (١) ، وخفيدد (٢) ، وسرومط ، وفدوكس ، وزرارق ، وسلالم ، وعذافر ، وقراقر ـ على ما تقدّم ـ ولا يجوز أن تذهب عنها الغنّة فى هذا الموضع الذى هى محمولة فيه على حروف اللين بما فيها من الغنة التى ضارعتها بها ، وكذلك جميع حروف الحلق.
فلا يجوز أيضا أن تبنى من صرع ، ولا من جبه ، ولا من سنح ، ولا من سلخ ، ولا من فرغ ؛ لأنه كان يلزمك أن تقول : صرنعى ، وجبنهى ، وسننحى ، وسلنخى ، وفرنغى ؛ فتبيّن النون فى هذا الموضع. وهذا (لا يجوز) ؛ لما قدّمنا ذكره. ولكنّ من أخفى النون عند الخاء والغين فى نحو منخل ، ومنغل ، يجوز على مذهبه أن يبنى نحو حبنطى من سلخ وفرغ ؛ لأنه قد يكون هناك فى لغته من الغنّة ما يكون مع حروف الفم.
وقلت مرة لأبى على ـ رحمه ـ : الله قد حضرنى شيء فى علة الإتباع فى (نقيذ) وإن عرى أن تكون عينه حلقية ، وهو قرب القاف من الخاء والغين ، فكما جاء عنهم النخير والرغيف ، كذلك جاء عنهم (النقيذ) فجاز أن تشبّه القاف لقربها من حروف الحلق بها ، كما شبّه من أخفى النون عند الخاء والغين إيّاهما بحروف الفم ، فالنقيذ فى الإتباع كالمنخل والمنغل فيمن أخفى النون ؛ فرضيه وتقبّله. ثم رأيته وقد أثبته فيما بعد بخطّه فى تذكرته ، ولم أر أحدا من أصحابنا ذكر (امتناع فعنلى) وبابه فيما لامه حرف حلقىّ ؛ لما يعقب ذلك من ظهور النون وزوال شبهها بحروف اللين ، والقياس يوجبه فلنكن عليه. ويؤكّده عندك أنك لا تجد شيئا من باب فعنلى ولا فعنلل ولا فعنعل بعد نونه حرف حلقى.
وقد يجوز أن يكون إنكار الخليل قوله (فارفنععا) إنما هو لتكرر الحرف الحلقىّ مع استنكارهم ذلك. ألا ترى إلى قلّة التضعيف فى باب المهه (٣) ، والرخخ (٤) ،
__________________
(١) العثوثل : الكثير اللحم الرّخو.
(٢) الخفيدد : السريع.
(٣) يقال : مههت : أى لنت. ومهّ الإبل : رفق بها. وسير مهه ومهاه : رفيق. اللسان (مهه).
(٤) الرخخ : السهولة واللين.