لَها كارِهُونَ) [هود :٣٧ ، ٣٨].
فلو استبدلنا هذه الكلمة بقولنا «أنلزمكم بها» أو «أنلزمكم إياها» لما أوحت بما توحى به هذه الكلمة من الثقل وصعوبة التحمل ، والإكراه على حمل شيء ينفر هذا المدعو إليه من حمله ، ويستثقله بل ويأنف منه ، وتشمئز منه نفسه ، كما قال الله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) [الزمر : ٤٥].
وسيأتى فى هذا البحث أمثلة شبيهة بذلك كقوله تعالى : (ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) [التوبة : ٣٨] ، وقوله تعالى : (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) [النجم : ٢٢].
كذلك فإن ما يمثلون به أبدا على عدم فصاحة الكلمة لتنافرها وثقلها أو غرابتها أو صعوبة النطق بها مما «روى عن عيسى النحوى أنه سقط عن دابته فاجتمع عليه الناس فقال : «ما لكم تكأكأتم على تكأكؤكم على ذى جنة؟ افرنقعوا عنى» (١).
لهو ـ فى رأيى ـ فى غاية الفصاحة والبيان ، ذلك أن تلك الكلمة المتنافرة المستثقلة أو غير المألوفة لهى معبرة تمام التعبير بهيئتها واجتماع حروفها وتزاحمها وطريقة النطق بها عن اجتماع الناس وتزاحمهم عليه مع شيء من الفوضى وعدم الاتساق وفى هيئة غريبة عليه تشبيهها غرابة هذه الكلمة.
كذلك قوله : «افرنقعوا عنى» لا يقل فصاحة عن سابقة لأنه يصور مدى رغبته فى سرعة انصرافهم عنه كسرعة الصوت الذى يخرج من شيئين يضربان» (٢).
هذا وسوف يتأكد ما ذكرناه بما سوف نورد فى هذا البحث من الأمثلة والنماذج التطبيقية التى تكشف عن الدور الفنى الذى تؤديه السمات الصوتية للكلمة فى السياقات المختلفة ، وأن هذا الدور لا يتوقف على سمات بعينها للكلمة كتلك السمات التى حددها هؤلاء البلاغيون ؛ وإنما يتسع المجال اللغوى لدى المبدع ليتخير من الأبنية والتراكيب الصوتية ما يشاء ليحقق المواءمة والمطابقة بين تلك الأبنية والدلالات والإيحاءات الفنية التى يريد أن ينقلها إلى وعى المتلقى ولكننا نعود فنقول إنصافا لهؤلاء البلاغيين : إن
__________________
(١) الطيبى ، التبيان ص ٤٦٧.
(٢) قال ابن منظور : «والفرقعة الصوت بين الشيئين يضربان «لسان العرب مادة فرقع ـ ط دار المعرفة.