* يا بأبى أنت ويا فوق البئب! (١) *
فالبئب الآن بمنزلة الضلع ، والعنب ، والقمع ، [والقرب]. ومن ذلك قولهم : القرنوة للنبت ، وقالوا : قرنيت السقاء ، إذا دبغته بالقرنوة ، فالياء فى قرنيت الآن للإلحاق ، بمنزلة ياء سلقيت ، وجعبيت ، وإنما هى بدل من واو (قرنوة) التى هى لغير الإلحاق. وسألنى أبو علىّ ـ رحمهالله ـ عن ألف (يا) من قوله ـ فيما أنشده أبو زيد ـ :
فخير نحن عند الناس منكم |
|
إذا الداعى المثوّب قال يالا (٢) |
فقال : أمنقلبة هى؟ قلت : لا ؛ لأنها فى حرف أعنى (يا) فقال : بل هى منقلبة. فاستدللته على ذلك ، فاعتصم بأنها قد خلطت باللام بعدها ووقف عليها ، فصارت اللام كأنها جزء منها ، فصارت (يال) بمنزلة قال ، والألف فى موضع العين وهى مجهولة ، فينبغى أن يحكم عليها بالانقلاب عن الواو. هذا جمل ما قاله ؛ ولله هو وعليه رحمته ، فما كان أقوى قياسه ، وأشدّ بهذا العلم اللطيف الشريف أنسه. فكأنه إنما كان مخلوقا له. وكيف كان لا يكون كذلك ، وقد أقام على هذه الطريقة مع جلّة أصحابها ، وأعيان شيوخها ، سبعين سنة ، زائحة علله ، ساقطة عنه كلفه ، وجعله همّه وسدمه (٣) ، لا يعتاقه عنه ولد ، ولا يعارضه فيه متجر ، ولا يسوم به مطلبا ، ولا يخدم به رئيسا إلا بأخرة وقد حطّ من أثقاله ، وألقى عصا ترحاله! ثم إنى ـ ولا أقول إلا حقّا ـ لأعجب من نفسى فى وقتى هذا ، كيف تطوع لى بمسألة ، أم كيف تطمح بى إلى انتزاع علّة! مع ما الحال عليه من علق
__________________
(١) البيت فى اللسان (أبى) أنشده الجاحظ مع أبيات فى كتاب البيان والتبيين لآدم مولى بلعنبر ، يقول لابن له. وفيه «البيب» بدل «البئب» قال أبو علىّ : الباء مبدلة من همزة بدلا لازما ؛ وبيبت الرجل إذا قلت له بأبى.
(٢) البيت لزهير بن مسعود الضبّى فى تخليص الشواهد ص ١٨٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٦ ، والدرر ٣ / ٤٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٩٥ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٢٠ ، ونوادر أبى زيد ص ٢٩ ، ٢٣٧ ، ٣٥٤ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ١٠٢ ، ولسان العرب (يا) ومغنى اللبيب ١ / ٢١٩ ، ٢ / ٤٤٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٨١.
(٣) السدم : الهمّ.