ترتبط جميعا برباط وثيق ، ومن ثم كان للسائق دوره الفعال فى إعطاء الكلمة المعينة من الدلالات ما ليس لها فى ذاتها بعيدة عن السياق ، حتى لو بدت تلك الكلمة مفتقرة إلى بعض ما اشترطه البلاغيون فى فصاحة الكلمة من حسن الجرس وسهولة المنطق.
ومن ثم فقد ذهب هؤلاء المحدثون إلى أنه لا تفاضل بين الكلمات المفردة خارج السياق ، فالكلمة المفردة خارج سياقها لا توصف بفصاحة ولا بلاغة عذبت أصواتها أم قبحت ، تباعدت مخارجها أم قربت ، ثقلت حروفها أم خفّت ، طالت مبانيها أم قصرت.
وهم يؤيدون كلامهم فى ذلك بما ورد عن عبد القاهر فى هذا المقام من نحو قوله : (فصل فى تحقيق القول على البلاغة والفصاحة والبيان والبراعة وكل ما شاكل ذلك ، مما يعبر به عن فضل القائلين على بعض من حيث نطقوا وتكلموا وأخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد ، ومن المعلوم ألا معنى لهذه العبارات وسائر ما يجرى مجراها مما يفرد فيه اللفظ بالنعت والصفة وينسب فيه الفضل والمزية إليه دون المعنى. غير أن يؤتى المعنى من الجهة التى هى أصح لتأديته ، ويختار له اللفظ الذى هو أخص به وأكشف عنه. وإذا كان هذا كذلك فينبغى أن ينظر إلى الكلمة قبل دخولها فى التأليف. هل يتصور أن يكون بين اللفظتين تفاضل فى الدلالة ، حتى تكون هذه أدل على معناها الذى وضعت له من صاحبتها على ما هى موسومة به ، حتى يقال إن (رجلا) أدل على معناه من (فرس) على ما سمى به؟ وحتى يتصور فى الاسمين الموضوعين لشيء واحد أن يكون هذا أحسن نبأ عنه وأبين عن صورته من الآخر. وهل يقع فى وهم ـ وإن جهد ـ أن تتفاضل الكلمتان المفردتان من غير أن ينظر إلى مكان تقعان فيه من التأليف والنظم بأكثر من أن تكون هذه مألوفة مستعملة وتلك غريبة وحشية؟ أو أن تكون حروف هذه أخف وامتزاجها أحسن؟ ومما يكد اللسان أبعد. وهل قالوا : لفظة متمكنة ومقبولة وفى خلافه : قلقة ونابية ومستكرهة ، إلا وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناها ، وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم ، وأن الأولى لم تلق بالثانية فى معناها ، وأن السابقة لم تصلح أن تكون لفقد التالية فى مؤداها؟» ويعرض عبد القاهر أمثلة يدلل بها على ذلك (١).
__________________
(١) عبد القاهر الجرجانى «دلائل الإعجاز» تصحيح الشيخ محمد عبده ، والشيخ محمد محمود الشنقيطى ، مكتبة ومطبعة محمد على صبيح وأولاده ص ٤٤ ـ ٤٥.