وقول الآخر (١) :
إنّى وإن كنت صغيرا سنّى |
|
وكان فى العين نبوّ عنّى |
فإن شيطانى أمير الجن |
|
يذهب بى فى الشّعر كلّ فنّ |
حتّى يزيل عنّى التظنّى |
فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسّنوها ، وحموا حواشيها وهذّبوها ، وصقلوا غروبها (٢) وأرهفوها ، فلا ترينّ أن العناية إذ ذاك إنما هى بالألفاظ ، بل هى عندنا خدمة منهم للمعانى ، وتنويه [بها] وتشريف منها. ونظير ذلك إصلاح الوعاء وتحصينه ، وتزكيته ، وتقديسه ، وإنما المبغىّ بذلك منه الاحتياط للموعى عليه ، وجواره بما يعطّر بشره ، ولا يعرّ جوهره ، كما قد نجد من المعانى الفاخرة السامية ما يهجّنه ويغضّ منه كدرة لفظه ، وسوء العبارة عنه.
فإن قلت : فإنا نجد من ألفاظهم ما قد نمّقوه ، وزخرفوه ، ووشّوه ، ودبّجوه ، ولسنا نجد مع ذلك تحته معنى شريفا ، بل لا نجده قصدا ولا مقاربا ؛ ألا ترى إلى قوله :
ولمّا قضينا من منى كلّ حاجة |
|
ومسّح بالأركان من هو ماسح |
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا |
|
وسالت بأعناق المطىّ الأباطح (٣) |
__________________
ـ ٧ / ١٥٧ ، ١٦٢ ، والكتاب ٤ / ٥٧ ، ولسان العرب (نبق) ، (قوه) ، وبلا نسبة فى كتاب العين ٥ / ١٨٠ ، ٧ / ٢٨٢. القوهىّ : ضرب من الثياب بيض ، فارسى. الأزهرىّ الثياب القوهية معروفة منسوبة إلى قوهستان. اللسان (قوه). البنائق : العرى التى تدخل فيها الأزرار. وأراد بقوله : «سودت» أنه عورت عينه ، واستعار لها تحت السواد كمن عينه قميصا بيضا بنائقه. اللسان (بنق).
(١) هو مالك بن أمية كما فى الوحشيات ، ووردت الأشطار الثلاثة الأول فى الحيوان ١ / ٣٠٠ غير معزوّة. (نجار).
(٢) مأخوذ من غروب الأسنان وهى أطرافها ، وأحدها غرب ، انظر اللسان (غرب).
(٣) البيتان من الطويل ، وهو لكثير عزّة فى ملحق ديوانه ص ٥٢٥ ، وزهر الآداب ص ٣٤٩ ، وللمضرب عقبة بن كعب بن زهير فى الحماسة البصرية ٢ / ١٠٣ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (طرف) ، وأمالى المرتضى ٢ / ٣٥٩ ، والشعر والشعراء ص ٧٢ ، ومعجم البلدان ٥ / ١٩٨ (منى) ، وأساس البلاغة ص ٢٢٧ ، (سيل) ، وتاج العروس (طرف).