قالوا أراد : (اضربن عنك) فحذف نون التوكيد ، وهذا من الشذوذ فى الاستعمال على ما تراه ، ومن الضعف فى القياس على ما أذكره لك. وذلك أن الغرض فى التوكيد إنما هو التحقيق والتسديد ، وهذا مما يليق به الإطناب والإسهاب ، وينتفى عنه الإيجاز والاختصار. ففى حذف هذه النون نقض الغرض. فجرى وجوب استقباح هذا فى القياس مجرى امتناعهم من ادّغام الملحق ؛ نحو مهدد ، وقردد ، وجلبب ، وشملل ، وسبهلل (١) ، وقفعدد (٢) ، فى تسليمه وترك التعرّض لما اجتمع فيه من توالى المثلين متحرّكين ؛ ليبلغ المثال الغرض المطلوب فى حركاته وسكونه ، ولو ادّغمت لنقضت الغرض الذى اعتزمت.
ومثل امتناعهم من نقض الغرض امتناع أبى الحسن من توكيد الضمير المحذوف المنصوب فى نحو الذى ضربت زيد ؛ ألا ترى أنه منع أن تقول : الذى ضربت نفسه زيد ، على أن «نفسه» توكيد للهاء المحذوفة من الصلة.
ومما ضعف فى القياس والاستعمال جميعا بيت الكتاب :
له زجل كأنّه صوت حاد |
|
إذا طلب الوسيقة أو زمير (٣) |
فقوله : «كأنه» ـ بحذف الواو وتبقية الضمّة ـ ضعيف فى القياس ، قليل فى الاستعمال. ووجه ضعف قياسه أنه ليس على حدّ الوصل ولا على حدّ الوقف.
وذلك أن الوصل يجب أن تتمكّن فيه واوه ، كما تمكّنت فى قوله فى أوّل البيت
__________________
٢ / ٥٠٥ ، وشرح المفصل ٩ / ٤٤ ، ولسان العرب (هول) ، والمحتسب ٢ / ٣٦٧ ، ومغنى اللبيب ص ٢ / ٦٤٣ ، والممتع فى التصريف ١ / ٣٢٣. ويروى : بالسوط بدلا من : بالسيف. قونس الفرس : ما بين أذنيه ، وقيل مقدّم رأسه.
(١) السبهلل : الفارغ ، يقال : جاء سبهللا أى لا شيء معه.
(٢) القفعدد : القصير.
(٣) البيت من الوافر ، وهو للشماخ فى ديوانه ص ١٥٥ ، والدرر ١ / ١٨١ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٣٧ ، والكتاب ١ / ٣٠ ، ولسان العرب (ها) ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٥٦١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٣٧٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٨٨ ، ٥ / ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ولسان العرب (زجل) ، والمقتضب ١ / ٢٦٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٩. والبيت يصف حمارا وحشيا. الوسيقة : الأتان يقول : إذا طلب وسيقته ، وهى أنثاه ، صوت بها فى تطريب وترجيع ، كالحادى يتغنى بالإبل : أو كأن صوته صوت مزمار.