«إذا هو لم يخفنى» ضمير الشأن والحديث ؛ وأنه مرفوع لا محالة. فلا يخلو رفعه من أن يكون بالابتداء كما قلنا ، أو بفعل مضمر. فيفسد أن يكون مرفوعا بفعل مضمر ؛ لأن ذلك المضمر لا دليل عليه ، ولا تفسير له ؛ وما كانت هذه سبيله لم يجز إضماره.
فإن قلت : فلم لا يكون قوله «لم يخفنى فى ابن عمى الرجل الظلوم» تفسيرا للفعل الرافع لـ «هو»؟ كقولك : إذا زيد لم يلقنى غلامه فعلت كذا ، فترفع زيدا بفعل مضمر يكون ما بعده تفسيرا له.
قيل : هذا فاسد من موضعين : أحدهما أنا لم نر هذا الضمير على شريطة التفسير عاملا فيه فعل محتاج إلى تفسير. فإذا أدّى هذا القول إلى ما لا نظير له ، وجب رفضه واطّراح الذهاب إليه. والآخر أن قولك «لم يخفنى الرجل الظلوم» إنما هو تفسير لـ «هو» ، من حيث كان ضمير الشأن والقصّة لا بدّ له أن تفسره الجملة ؛ نحو قول الله عزوجل : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] فقولنا (الله أحد) تفسير لـ «هو». وكذلك قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) [الحج : ٤٦] فقولك : (لا تعمى الأبصار) تفسير لـ «ها» ، من قولك : فإنها ، من حيث كانت ضمير القصّة. فكذلك قوله : «لم يخفنى الرجل الظلوم» إنما هذه الجملة تفسير لـ «هو».
فإذا ثبت أن هذه الجملة إنما هى تفسير لنفس الاسم المضمر بقى ذلك الفعل المضمر لا دليل عليه ؛ وإذا لم يقم عليه دليل بطل إضماره ؛ لما فى ذلك من تكليف علم الغيب. وليس كذلك (إذا زيد قام أكرمتك) ونحوه ؛ من قبل أن زيدا تامّ ، غير محتاج إلى تفسير. فإذا لم يكن محتاجا إليه صارت الجملة بعده تفسيرا للفعل الرافع له ، لا له نفسه.
فإذا ثبت بما أوردناه ما أردناه ، علمت وتحقّقت أن «هو» من قوله «إذا هو لم يخفنى الرجل الظلوم» مرفوع بالابتداء لا بفعل مضمر.
وفى هذا البيت تقوية لمذهب أبى الحسن فى إجازته الرفع بعد إذا الزمانية بالابتداء فى نحو قوله تعالى (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] و (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التكوير : ١].