وقد جاء عنهم :
رجل مهوب ، وبرّ مكول ، ورجل مسور به. فقياس هذا كله على قول الخليل أن يكون مما
قلبت فيه الياء واوا ؛ لأنه يعتقد أن المحذوف من هذا ونحوه إنما هو واو مفعول لا
عينه ، وأنسّه بذلك قولهم : قد هوب ، وسور به ، وكول.
واعلم أنا ـ مع
ما شرحناه وعنينا به فأوضحناه من ترجيح علل النحو على علل الفقه ، وإلحاقها بعلل
الكلام ـ لا ندّعى أنها تبلغ قدر علل المتكلمين ، ولا عليها براهين المهندسين ؛
غير أنا نقول : إن علل النحويين على ضربين : أحدهما واجب لا بدّ منه ؛ لأنّ النفس
لا تطيق فى معناه غيره. والآخر ما يمكن تحمله ؛ إلا أنه على تجشم واستكراه له.
الأوّل ـ وهو
ما لا بدّ للطبع منه ـ : قلب الألف واوا للضمة قبلها ، وياء للكسرة قبلها. أمّا
الواو فنحو قولك فى سائر : سويئر ، وفى ضارب : ضويرب. وأمّا الياء فنحو قولك فى
نحو تحقير قرطاس وتكسيره : قريطيس ، وقراطيس. فهذا ونحوه مما لا بدّ منه ؛ من قبل
أنه ليس فى القوّة ، ولا احتمال الطبيعة وقوع الألف المدة الساكنة بعد الكسرة ولا
الضمة. فقلب الألف على هذا الحدّ علته الكسرة والضمة قبلها. فهذه علّة برهانية ولا
لبس فيها ، ولا توقّف للنفس عنها. وليس كذلك قلب واو عصفور ونحوه ياء إذا انكسر ما
قبلها ؛ نحو : عصيفير وعصافير ؛ ألا ترى أنه قد يمكنك تحمّل المشقّة فى تصحيح هذه
الواو بعد الكسرة ؛ وذلك بأن تقول : عصيفور وعصافور. وكذلك نحو : موسر ، وموقن ،
وميزان ، وميعاد ؛ لو أكرهت نفسك على تصحيح أصلها لأطاعتك عليه ، وأمكنتك منه ؛
وذلك قولك : موزان ، وموعاد ، وميسر ، وميقن. وكذلك ريح وقيل ؛ قد كنت قادرا أن
تقول : قول ، وروح ؛ لكن مجىء الألف بعد الضمة أو الكسرة أو السكون محال ، ومثله
لا يكون. ومن المستحيل جمعك بين الألفين المدّتين ؛ نحو ما صار إليه قلب لام كساء
ونحوه قبل إبدال الألف همزة ، وهو خطّا كساا ، أو قضاا ، فهذا تتوهمه تقديرا ولا
تلفظ به البتة. قال أبو إسحاق يوما لخصم نازعه فى جواز اجتماع الألفين المدّتين ـ ومدّ
الرجل الألف فى نحو هذا ، وأطال ـ فقال له أبو إسحاق : لو مددتها إلى العصر ما
كانت إلا ألفا واحدة.