حرف واحد ؛ كحرف العطف ، وفائه ، وهمزة الاستفهام ، ولام الابتداء والجرّ ، والأمر ، وكاف رأيتك ، وهاء رأيته. وجميع ذلك دون باب كم ، وعن ، وصه.
فتمكّن الثلاثى إنما هو لقلة حروفه ، لعمرى ، ولشيء آخر ، وهو حجز الحشو الذى هو عينه ، بين فائه ، ولامه ، وذلك لتباينهما ، ولتعادى (١) حاليهما ؛ ألا ترى أن المبتدأ لا يكون إلا متحركا ، وأن الموقوف عليه لا يكون إلا ساكنا ؛ فلما تنافرت حالاهما وسّطوا العين حاجزا بينهما ، لئلا يفجئوا الحسّ بضدّ ما كان آخذا فيه ، ومنصبّا إليه.
فإن قلت : فإنّ ذلك الحرف الفاصل لما ذكرت بين الأوّل والآخر ـ وهو العين ـ لا يخلو أن يكون ساكنا ، أو متحرّكا. فإن كان ساكنا فقد فصلت عن حركة الفاء إلى سكونه ، وهذا هو الذى قدّمت ذكر الكراهة له ؛ وإن كان متحرّكا فقد فصلت عن حركته إلى سكون اللام الموقوف عليها ، وتلك حال ما قبله فى انتقاض حال الأوّل بما يليه من بعده.
فالجواب أنّ عين الثلاثى إذا كانت متحرّكة ، والفاء قبلها كذلك فتوالت الحركتان ، حدث هناك لتواليهما ضرب من الملال لهما ، فاستروح حينئذ إلى السكون ، فصار ما فى الثنائى من سرعة الانتقاض (معيفا مأبيّا) ، فى الثلاثى خفيفا مرضيا ، وأيضا فإن المتحرّك حشوا ليس كالمتحرّك أوّلا ؛ أولا ترى إلى صحة جواز تخفيف الهمزة حشوا ، وامتناع جواز تخفيفها أوّلا ، وإذا اختلفت أحوال الحروف حسن التأليف ، وأما إن كانت عين الثلاثى ساكنة فحديثها غير هذا. وذلك أن العين إذا كانت ساكنة فليس سكونها كسكون اللام. وسأوضح لك حقيقة ذلك ، لتعجب من لطف غموضه. وذلك أن الحرف الساكن ليست حاله إذا أدرجته (٢) إلى ما بعده كحاله لو وقفت عليه. وذلك لأن من الحروف حروفا (٣) إذا وقفت عليها لحقها صويت ما من بعدها ، فإذا أدرجتها إلى ما بعدها ضعف ذلك
__________________
(١) يقال : تعادى ما بينهم أى اختلف.
(٢) الإدراج : لفّ الشىء فى الشىء. والدّرج لفّ الشىء. يقال : درجته وأدرجته ودرّجته ، والرباعى أفصحها ، ودرج الشىء فى الشىء يدرجه درجا ، وأدرجه : طواه وأدخله. اللسان (درج).
(٣) يريد حروف الهمس.