الانتساب إلى أفراد عظماء ، بل حتّى للأنبياء ، إذا لم يكن مقترنا بهذين الأمرين فإنّه وحده لا يضيف إلى قيمة الإنسان شيئا.
هنا يشطب القرآن وبصراحة قلّ نظيرها على كلّ الظنون المنحرفة والخرافات بخصوص عوامل القرب من الله ، وما يرفع من قيمة الإنسان ، ويخلص إلى أنّ المعيار الأصيل هو في شيئين فقط ، يستطيع كلّ الناس تحصيلها ، وأنّ الإمكانات والمحروميات المادية لا أثر لها في ذلك.
أجل ، فإنّ الأموال والأولاد أيضا إذا وجّهت بهذا المسير ، صبغت بتلك الصبغة الإلهيّة وتقبّلت لون الإيمان والعمل الصالح ، وأصبحت سببا في القرب من الله. أمّا الأموال والأولاد التي تبعد الإنسان عن الله ، وتكون له صنما يعبد من دون الله وسببا للفساد والإفساد ، فهي جواذب جهنّم ، وكما قال القرآن الكريم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ). (١)
كلمة «ضعف» ليست بمعنى «مضاعفة الشيء مرتين» فقط ، بل بمعنى «أضعاف مضاعفة لأكثر من مرتين». وقد وردت في هذه الآية بهذا المعنى. لأنّنا نعلم أنّ أي عمل حسن يحسب عند الله بعشرة أمثاله على الأقل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها). (٢) وأحيانا أكثر من ذلك بكثير.
«غرفات» جمع «غرفة» بمعنى الحجرات العلوية من البناء ، والتي غالبا ما تكون إضاءتها أكثر وهواؤها أفضل. وبعيدة عن الآفات ، لذا عبّر القرآن عن أفضل منازل الجنّة (بالغرف). وهذه اللفظة من مادّة «غرف» ، على زنة (بحر) بمعنى رفع الشيء وتناوله.
التعبير بـ «آمنون» فيما يخصّ أهل الجنّة ، تعبير جامع يعكس حالة الطمأنينة الروحية والجسدية لهم من كافّة النواحي ، فلا خوف من هجوم عدوّ ، أو مرض ، أو
__________________
(١) التغابن ، ١٤.
(٢) أنعام ، ١٦٠.