لقد استعدّ هؤلاء في أحد أيّام الحرب للمبارزة الفردية ، ولبسوا عدّة الحرب ، واستطاعوا اختراق الخندق والعبور بخيولهم إلى الجانب الآخر من خلال نقطة ضيّقة فيه ، كانت بعيدة نسبيا عن مرمى الرماة المسلمين ، وأن يقفوا أمام جيش المسلمين ، وكان أشهرهم «عمرو بن عبد ودّ».
فتقدّم وقد ركبه الغرور والاعتداد بالنفس ، وكانت له خبرة طويلة في الحرب ، ورفع صوته طالبا من يبارزه.
لقد دوّى نداؤه (هل من مبارز) في ميدان الأحزاب ، ولمّا لم يجرأ أحد من المسلمين على قتاله اشتدّت جرأته وبدأ يسخر من معتقدات المسلمين ، فقال : أين جنّتكم التي تزعمون أنّ من قتل منكم دخلها؟ هل فيكم من أرسله إلى الجنّة ، أو يدفعني إلى النار؟
وهنا أنشد أبياته المعروفة :
ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز |
|
ووقفت إذ جبن المشجّع موقف البطل المناجز |
إنّ السماحة والشجاعة في الفتى خير الغرائز |
فأمر النّبي صلىاللهعليهوآله عند ذلك أن يخرج إليه رجل ويبعد شرّه عن المسلمين ، إلّا أنّ أحدا لم يجب رسول الله صلىاللهعليهوآله إلّا علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فقال النّبي صلىاللهعليهوآله : «إنّه عمرو» فقال علي عليهالسلام : «وإن كان عمروا» فدعاه النّبي صلىاللهعليهوآله وعمّمه ، وقلّده سيفه الخاصّ ذا الفقار ، ثمّ دعا له فقال : «اللهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته».
فمشى علي عليهالسلام إلى الحرب وهو يرتجز :
لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز |
|
ذو نيّة وبصيرة والصدق منجي كلّ فائز |
إنّي لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز |