والروم ، وأخبرني أنّ امّتي ظاهرة عليها ، وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء ، وأخبرني أنّ أمّتي ظاهرة عليها ، فأبشروا» فاستبشر المسلمون.
فنظر المنافقون إلى بعضهم وقالوا : ألا تعجبون؟ يعدكم الباطل ويخبركم أنّه ينظر من يثرب إلى الحيرة ومدائن كسرى وأنّها تفتح لكم ، وأنتم لا تستطيعون أن تبرزوا؟ فأنزل الله : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) (١).
والحقّ أنّ مثل هذه الأخبار والبشارات اعتبرها المنافقون في ذلك اليوم خدعة وغرورا ، إلّا أنّ عين النّبي صلىاللهعليهوآله الملكوتية كانت قادرة على رؤية فتح أبواب قصور ملوك ايران والروم واليمن من خلال الشرر المتطاير من ذلك الحجر ، ويبشّر هذه الامّة المضحّية التي حملت القلوب على الأكفّ ، ويزيح الستار عن أسرار المستقبل.
وربّما لا نحتاج إلى التذكير بأنّ المراد من (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) هم المنافقون ، وذكر هذه الجملة توضيح في الواقع لكلمة «المنافقين» التي وردت من قبل ، وأيّ مرض أسوأ وأضرّ من مرض النفاق؟! لأنّ الإنسان السليم الذي له فطرة إلهيّة سليمة ليس له إلّا وجه واحد ، أمّا أولئك الذين لهم وجهان أو وجوه متلوّنة عديدة فإنّهم مرضى ، حيث إنّهم مبتلون دائما بالاضطراب والتناقض في الأقوال والأفعال.
والشاهد لهذا الأمر ما ورد في بداية سورة البقرة في وصف المنافقين ، حيث تقول : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً). (٢)
__________________
(١) الكامل لابن الأثير ، الجزء ٢ ، صفحة ١٧٩. وورد هذا الحادث بتفاوت يسير في سيرة ابن هشام ، وهو أنّ النّبي صلىاللهعليهوآله قال : أمّا الاولى فإنّ الله فتح علي بها اليمن ، وأمّا الثّانية فإنّ الله فتح عليّ بها الشام والمغرب ، وأمّا الثالثة فإنّ الله فتح عليّ بها المشرق». وهذا الترتيب ينسجم مع التسلسل التاريخي لفتح هذه المناطق الثلاث.
(٢) البقرة ، الآية ١٠.