إنّ وصف «الكتاب»
بـ «الحكيم» إمّا لقوّة ومتانة محتواه ، لأنّ الباطل لا يجد إليه طريقا وسبيلا ،
ويطرد عن نفسه كلّ نوع من الخرافات والأساطير ، ولا يقول إلّا الحقّ ، ولا يدعو
إلّا إليه ، وهذا التعبير في مقابل (لَهْوَ الْحَدِيثِ) الذي يأتي في الآيات التالية تماما.
أو بمعنى أنّ
القرآن كالعالم الحكيم الذي يتكلّم بألف لسان في الوقت الذي هو صامت لا ينطق ،
فيعلّم ، ويعظ وينصح ، ويرغّب ويرهّب ، ويحذّر ويتوعّد ، ويبيّن القصص ذات العبرة
، وخلاصة القول فإنّه حكيم بكلّ معنى الكلمة. ولهذه البداية علاقة مباشرة بكلام
لقمان الحكيم الذي ورد البحث فيه في هذه السورة.
ولا مانع ـ طبعا
ـ من أن يكون المعنيان مرادين في الآية أعلاه.
ثمّ تذكر الآية
التالية الهدف النهائي من نزول القرآن ، فتقول : (هُدىً وَرَحْمَةً
لِلْمُحْسِنِينَ).
إنّ الهداية في
الحقيقة مقدّمة لرحمة الله ، لأنّ الإنسان يجد الحقيقة أوّلا في ظلّ نور القرآن ،
ويعتقد بها ويعمل بها ، وبعد ذلك يكون مشمولا برحمة الله الواسعة ونعمه التي لا
حدّ لها.
وممّا يستحقّ
الانتباه أنّ هذه السورة اعتبرت القرآن سببا لهداية ورحمة «المحسنين» ، وفي بداية
سورة النمل : (هُدىً وَبُشْرى
لِلْمُؤْمِنِينَ) وفي بداية سورة البقرة : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
وهذا الاختلاف
في التعبير ربّما كان بسبب أنّ روح التسليم وقبول الحقائق لا تحيا في الإنسان بدون
التقوى ، وعند ذلك سوف لا تتحقّق الهداية ، وبعد مرحلة قبول الحقّ نصل إلى مرحلة
الإيمان التي تتضمّن البشارة بالنعم الإلهية علاوة على الهداية ، وإذا تقدّمنا
أكثر فسنصل إلى مرحلة العمل الصالح ، وعندها تتجلّى رحمة الله أكثر من ذي قبل.
بناء على هذا
فإنّ الآيات الثلاث أعلاه تبيّن ثلاث مراحل متعاقبة من مراحل