منتهى الاستعداد وبناء الشخصية أضف الى كل ذلك أنّ المسافة بين المدينة وأرض الروم كانت بعيدة غاية البعد ، وكان الوقت صيفا قائظا ، وهو أوان اقتطاف الثمار وحصد الحبوب والغلات.
هذه الأمور اجتمعت بعضها الى بعض فصعب على المسلمين الخروج للقتال.
حتى أنّ بعضهم تردد في استجابته لدعوة الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فالآيتان ـ محل البحث ـ نزلتا في هذا الظرف ، وأنذرتا المسلمين بلهجة صارمة لمواجهة هذه المعركة الحاسمة. (١)
* * *
التّفسير
التّحرك نحو سوح الجهاد مرّة أخرى
كما أشرنا آنفا في شأن نزول الآتين ، فإنّهما نزلتا في غزوة «تبوك».
وتبوك منطقة بين المدينة والشام ، وتعدّ الآن من حدود الحجاز ، وكانت آنئذ على مقربة من أرض الروم الشرقية المتسلطة على الشامات. (٢)
وقد حدثت هذه الواقعة في السنة التاسعة للهجرة ، أي بعد سنة من فتح مكّة تقريبا.
وبما أن المواجهة في هذا الميدان كانت مواجهة لإحدى الدول الكبرى في ذلك العصر، لا مواجهة لإحدى القبائل العربية ، فقد كان جماعة من المسلمين قلقين مشفقين من المساهمة والحضور في هذه المواجهة ، ولذلك فقد كانت الأرضية مهيأة لوساوس المنافقين وبذر السموم ، فلم يألوا جهدا في إضعاف
__________________
(١) ذكر شأن النّزول هذا جماعة من المفسّرين كالطبرسي في مجمع البيان ، والفخر الرازي في تفسيره الكبير ، والآلوسي في روح المعاني.
(٢) الفاصلة بين تبوك والمدينة ٦١٠ كم والفاصلة بينها وبين الشام ٦٩٢ كم.