أنّ الحق في مقابل الباطل بهذا المعنى الواسع سيشمل كل واقع موجود ، وستكون النقطة المقابلة له كل معدوم وباطل.
ويأمر الله سبحانه نبيّه أن يجيبهم على هذا السؤال بما أوتي من التأكيد : (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ) وإذا ظننتم أنّكم تستطيعون أن تفلتوا من قبضة العقاب الإلهي فأنتم على خطأ كبير : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ).
الواقع إنّ هذه الجملة مع الجملة السابقة من قبيل بيان المقتضي والمانع ، ففي الجملة الأولى يقول : إن عذاب المجرمين امر واقعي ، ويضيف في الجملة الثّانية أن أية قدرة لا تستطيع أن تقف أمامه ، تماما كالآيات (٨) ـ (٩) من سورة الطور : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ).
إنّ التأكيدات التي تلاحظ في الآية تستحق الانتباه ، فمن جهة القسم ، ومن جهة أخرى إنّ ولام التأكيد ، ومن جهة ثالثة جملة (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) وكل هذه توكّد على أنّ العقاب الإلهي حتمي عند ارتكاب الكبائر.
وتوكّد الآية الأخرى على عظمة هذه العقوبة ، وخاصّة في القيامة ، فتقول : (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ) (١). في الواقع ، إنّ هؤلاء مستعدون لأن يدفعوا أكبر رشوة يمكن تصورها من أجل الخلاص من قبضة العذاب الإلهي ، لكن لا أحد يقبل من هؤلاء شيئا ، ولا ينقص من عذابهم مقدار رأس ابرة ، خاصّة وأنّ لبعض هذه العقوبات صبغة معنوية ، وهي أنّهم : يرون العذاب والفضيحة في مقابل أتباعهم ممّا يوجب لهم اظهار الندم مزيدا من الخزي والعذاب النفسي فلذلك يحاولون عدم إبراز الندم : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ).
ثمّ توكّد الآية على أنّه بالرغم من كل ذلك ، فإنّ الحكم بين هؤلاء يجري بالعدل ، ولا يظلم أحد منهم : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). إنّ هذه الجملة تأكيد على طريقة القرآن دائما في مسأله العقوبة والعدالة ، لأنّ تأكيدات
__________________
(١) في الواقع ، إن في الجملة أعلاه جملة مقدرة ، وهي : (من هول القيامة والعذاب).