لأنا نعلم أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد عرض الإسلام على عشيرته وقومه يوم الدار ، ولم يقبله إلّا عليّ عليهالسلام حين قام وأعلن إسلامه ، فقبل النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إسلامه ، بل وخاطبه بأنّك : أخي ووصي وخليفتي.
إنّ هذا الحديث الذي نقله جماعة من حفاظ الحديث ، من الشيعة والسنة ، في كتب الصحاح والمسانيد ، وكذلك جمع من مؤرخي الإسلام ، واستندوا عليه ، يبيّن أنّ النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم مضافا إلى قبوله إسلام علي عليهالسلام في ذلك السن الصغير ، فإنّه عرفه للحاضرين ـ وللناس فيما بعد ـ بأنّه أخوه ووصيه وخليفته (١).
ويعبرون تارة أخرى بأنّ أوّل من أسلم من النساء خديجة ، ومن الرجال أبو بكر ، ومن الصبيان علي عليهالسلام ، وأرادوا بهذا التعبير أن يقللوا من أهمية إسلام علي عليهالسلام. (ذكر هذا التعبير المفسّر المعروف والمتعصّب صاحب المنار في ذيل الآية المبحوثة).
إلّا أنّ أوّلا : كما قلنا ، إنّ سن علي عليهالسلام الصغير في ذلك اليوم لا يقدح في أهمية الأمر بأي وجه ، ولا يقلل من شأنه ، خاصّة وأن القرآن الكريم قال في شأن يحيى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (٢) ، وكذلك نقرأ ما قاله في شأن عيسى عليهالسلام من أنّه تكلم وهو في المهد ، وخاطب أولئك الذين وقعوا في حيرة وشك من أمره وقال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (٣).
إنّنا إذا ما ضممنا مثل هذه الآيات إلى الحديث الذي نقلناه آنفا من أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم جعل عليّا عليهالسلام وصيه وخليفته اتّضح أن كلام صاحب المنار لم يصدر إلّا عن تعصب مقيت.
__________________
(١) هذا الحديث نقل بعبارات مختلفة ، وما أوردناه أعلاه هو ما نقله أبو جعفر الإسكافي في كتاب (نهج العثمانية) ، وبرهان الدين في (أنباء نجباء الأبناء) ، وابن الأثير في (الكامل) ، وآخرون. لمزيد الاطلاع والاستيضاح راجع الجزء الثّاني من الغدير ، ص ٢٧٨ ـ ٢٨٦.
(٢) مريم ، ١٢.
(٣) مريم ، ٣٠.