الله من قبلهم ، فالقرآن عبّر عن هذا التقليد الأعمى بالعبادة.
وهذا المعنى وارد في رواية عن الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام إذا قالا : «أمّا والله ما صاموا لهم ولا صلّوا ، ولكنّهم أحلّوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالا ، فاتبعوهم وعبدوهم من حيث لا يشعرون». (١)
وفي حديث آخر ، أنّ عديّ بن حاتم قال : وفدت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان في رقبتي صليب من الذّهب ، فقال لي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عدي ألق هذا الصنم عن رقبتك ، ففعلت ذلك ، ثمّ دنوت منه فسمعته يتلو الآية (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً) فلمّا أتم الآية قلت له : نحن لا نتّخذ أئمتنا أربابا أبدا ، فقال : «ألم يحرموا حلال الله ويحلّوا حرامه فتتبعوهم؟ فقلت : بلى ، فقال : فهذه عبادتهم». (٢)
والدليل على هذا الموضوع واضح ، لأنّ التقنين خاص بالله ، وليس لأحد سواه أن يحل أو يحرم للناس ، أو يجعل قانونا ، والشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يفعله هو اكتشاف قوانين الله وتطبيقها على مصاديقها.
فبناء على ذلك لو أقدم أحد على وضع قانون يخالف قانون الله ، وقبله إنسان آخر دون قيد أو اعتراض او استفسار فقد عبد غير الله ، وهذا بنفسه نوع من أنواع الشرك العملي ، وبتعبير آخر : هو عبادة غير الله.
ويظهر من القرائن أنّ اليهود والنصارى يرون مثل هذا الإختيار لزعمائهم ، بحيث لهم أن يغيّروا ما يرونه صالحا بحسب نظرهم ، وما يزال بعض المسيحيين يطلب العفو من القسيس فيقول له القسّ ، عفوت عنك! وكان ـ منذ زمن ـ موضوع صكوك الغفران رائجا.
وهناك لطيفة أخرى ينبغي الالتفات إليها ، وهي أنّه لما كانت عبادة المسيحيين لرهبانهم تختلف عن عبادة اليهود لأحبارهم ، فالمسيحيون يرون المسيح ابن الله
__________________
(١) مجمع البيان ، ذيل الآية ونور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٢٠٩.
(٢) مجمع البيان ، ذيل الآية.