القبيلة والعائلة هما الشجرة الوحيدة التي تنبت في الصحراء ، ولن يستطيع أحد الحياة دون اللجوء إليها ، إلّا أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم قد قلع هذه الشجرة التي نمت بلحم ودم عائلته ، وفعل ذلك من أجل ربه وخالقه (فقد فصم النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علاقته بقريش في سبيل الإسلام) (١).
علاوة على ما ذكر فإن من بين جميع الموجودات الحيّة ، حين تتعرض حياة أي واحدا أو مجموعة منها إلى الخطر ، نراها تضطر إلى ترك مكان تواجدها والهجرة منه إلى مأوى وملجأ أمن آخر ، والكثير من أبناء البشر الأقدمين عمدوا إلى الهجرة من مكان ولادتهم ـ بسبب تغير الظروف الجغرافية فيه ـ إلى نقاط أخرى من العالم من أجل مواصلة الحياة ، وليس البشر وحدهم الذين مارسوا الهجرة ، بل هناك من بين الحيوانات أنواع كثيرة عرفت بالحيوانات المهاجرة ، مثل الطيور التي تضطر أحيانا إلى الدوران حول الأرض تقريبا من أجل إيجاد مأوى تواصل فيه حياتها ، وبعض هذه الطيور تهاجر من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي ، وأحيانا تقطع مسافة حوالي (١٨) ألف كيلومتر للوصول الى المكان الذي تريد العيش فيه.
وهذه الشواهد هي خير دليل على أنّ الهجرة هي إحدى القوانين الخالدة للحياة، فهل يصح أن يكون الإنسان أقل حظا من الحيوان في هذا المجال؟
وحين تتعرض ، حياته المعنوية ، وكيانه وأهدافه المقدسة التي هي أثمن وأغلى من حياته المادية إلى الخطر ، فهل يستطيع هذا الإنسان البقاء في مكان الخطر متشبثا بالأرض والمولد وغير ذلك متحملا ألوان الذل والإهانة والحرمان وسلب الحريات ، والأهم من ذلك كلّه زوال أهدافه التي يعيش من أجلها؟! أو أن عليه أن يختار قانون الطبيعة في الهجرة ، ويترك ذلك المكان ، ويختار مكانا آخر يتيسر فيه المجال لنموه المادي والمعنوي؟
__________________
(١) محمّد خاتم الأنبياء ، الجزء الأول.