القدير الذي يعفو عن عباده مع امتلاكه القدرة على الانتقام بأي صورة شاء ، فتقول الآية في هذا المجال : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً).
العفو عن المعتدي وأثره على نزعة العدوان :
سؤال يطرأ هنا على الذهن وهو : ألا يعتبر العفو عن الظالم المعتدي تأييدا لظلمه وتشجيعا لنزعة العدوان لديه؟ ألا يؤدي العفو إلى ظهور حالة سلبية من اللامبالاة لدى المظلومين.
والجواب هو : أنّ العفو لا صلة له بمسألة تحقيق العدل ومكافحة الظالم ، والدليل على ذلك ما نقرؤه في الأحكام الإسلامية من نهي عن ارتكاب الظلم وأمر بعدم الخضوع له، كما في الآية (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (١) وقول أمير المؤمنين علي عليهالسلام «كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا» (٢) وقوله تعالى : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ(٣).
كما نقرأ من جانب آخر الأمر بالعفو والصفح كما في قوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٤) وقوله : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ). (٥)
من الممكن أن يتبادر إلى ذهن بعض البسطاء أن هناك تناقضا بين هذين الحكمين،ولدى الإمعان فيما ورد في المصادر الإسلامية في هذا المجال ، يتّضح أنّ العفو والصفح يجب أن يكون في موضع بحيث لا يساء استغلاله ، وإنّ الدعوة إلى مكافحة الظلم وقمع الظالم يكون له مجال آخر.
__________________
(١) البقرة ، ٢٧٩.
(٢) نهج البلاغة ، الوصية رقم ٤٨.
(٣) الحجرات ، ٩.
(٤) البقرة ، ٢٣٧.
(٥) النور ، ٢٢.