مصدراً لهذه الأفائك ما شوّه به الطبري صحيفة تاريخه من مكاتبة السريّ الكذّاب من طريق شعيب المجهول عن سيف الساقط المتّهم بالزندقة ، الذين عرفت موقفهم من الدين والصدق والأمانة وعرفت حال روايتهم خاصّة في (ص ٣٢٦ ـ ٣٢٨) ؛ وغير خاف ذلك على مثل ابن كثير ومن لفّ لفّه ، لكنّهم نبذوا الرجل نبذةً ليسقطوه عن محلّه ، ويسقطوا آراءه عن الاعتبار فتشبّثوا بالحشيش كالغريق ، لكنّهم خابوا وفشلوا ، وإنّما المأثور عنه تلاوة الآية الكريمة ، ونقل السنّة الواردة عن نبيّ الإسلام في اكتناز الذهب والفضّة ، وأمّا الآية الكريمة فقد عرفت مقدار دلالتها وأنّ الخلاف الواقع بين أبي ذر ومعاوية إنّما هو بالنسبة إلى نزولها دون المفاد ، وأنّه لو صحّت النسبة لوجب قذفهما معاً أو تبرئتهما معاً.
على أنّ لأبي ذر في ما ادّعاه من شأن الآية مصافقين ، فروى ابن كثير نفسه عن ابن عبّاس : أنّها عامّة. وعن السدي أنّه قال : هي في أهل القبلة. فهو أيضاً يوافقه في الجملة.
وفي تفسير الخازن (١) (٢ / ٢٣٢) : قال ابن عبّاس والسدي : نزلت في مانعي الزكاة من المسلمين ، وقال القرطبي في تفسيره (٢) (٨ / ١٢٣) : قال أبو ذر وغيره : المراد بها أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين ، وهو الصحيح لأنّه لو أراد أهل الكتاب خاصّة لقال : ويكنزون بغير (والذين) فلمّا قال : (والذين) فقد استأنف معنىً آخر يبيّن أنّه عطف جملة على جملة ، فالذين يكنزون كلام مستأنف وهو رفع على الابتداء ، قال السدي : عنى أهل القبلة.
وقال الزمخشري في الكشّاف (٣) (٢ / ٣١) : ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون
__________________
(١) تفسير الخازن : ٢ / ٢٢١.
(٢) الجامع لأحكام القرآن : ٨ / ٧٩.
(٣) الكشّاف : ٢ / ٢٦٦.